الاثنين، 17 نوفمبر 2008

يقولُ لكم بوش

أيها الأغبياء ؛ يا من تنامون على كراسى الحكم المغتصبة، أفيقوا من سباتكم العميق ؛ فلقد إنتهى توا أستاذكم المتوحش ؛ من إلقاء محاضرته الأولى ويأمل أن تكونوا قد تعلمتم الدرس. سألخِّصُ لكم المحاضرة ، فأنتم قلما تتعلمون من غير تكرار، وسأضرب بعصاى على الأرض كما كان يفعل هارون عليه السلام وهو يبلغ وصايا الرسول إلى بنى يهود، فلقد أثبت لنا التاريخ أنكم شربتم من لبن أمٍّ واحدة، وتعلمتم القتل فى مجزرة واحدة ، بعد أن نزعتم قلوبكم وعلقتم مكانها قطعا من بقايا هُبل وإساف ونائلة. كان هارون يبلغ أترابكم ويدق عصاه على الأرض مرددا؛ يقول لكم موسى..............
وهاأناذا أبلغكم قول رسولكم الهمام واقول لكم...يقولُ لكم بوش ، وهو على النقيض من موسى عليه السلام ، فهو رسول الغرب الحاقد على إسلام شُعوبكم ، الساخط على طهارة مستضعفيكم، الناقم على نصاعة تاريخ ممالككم التى نهبتموها نهبا.

يقول لكم بوش................
لقد أحللت لكم دماء شعوبكم إلا ما حرمته عليكم ، فكل دمائهم لكم حلال إلا أن تكون دماء الأبرياء من الخنازير الذين يوالوننا ويسبحون بحمدنا ويأكلون خبائثنا ويفسدون فى الأرض ولا يصلحون. اما سائر الشعوب ، فاقتلوهم وخرِّبوا بيوتهم ولا تأخذكم فيهم لومة لائم. كل أموالهم لكم غنيمة بما كسبت أيديهم من عصيان لنا وتقصيرٍ فى الهتاف لنا والتصفيق فى مجالسنا والفرحة بكل ما نرمى إليهم من فتات.

يقول لكم بوش................
أقتلوا منهم كل جنينٍ تلمحون فى عين أمهِ شركاً بنا وميلاً الى مقاومتنا ، أقتلوا منهم كل من تعلم أن يقرأ غير ما نكتبه له ، وأن يحفظ غير ما نتلوا عليه وأن يفعل من وحى نفسه ، فسوف يكون ذلك أرحم بهم ، فهم لا يقدرون على أن يفكروا الخير لأنفسهم ونحن نرحمهم بكم ونفكر لهم ، فلولا يشكرون؟

يقول لكم بوش................
إقصفوا أقلامهم وأعصفوا أحلامهم ، فليس لهم أن تكون لهم أحلامٌ غير ما خططنا ، ولا آمالٌ غير ما شرطنا ، وإلا تفعلوا فلن تكونوا لنا عبادا ، وسوف نسلط عليكم دهماءكم فيقتلونكم ، ويدخلون بيوتكم ويهدمون عروشكم ، ثم نستبدل قوما غيركم ولا يكونوا أمثالكم.
إنتهت محاضرة الشيطان الأولى ، فهل وعيتموها ؟ لقد أسمعكم سيدكم بوش وصاياه الثلاثة الأولى ، وعندما تجيدون فهمها فسوف يتلوا عليكم السبع الباقية ، فهل أنتم فاهمون؟

الجامعة العربية... مخاضٌ أم إحتضار ؟!!

إن الذى يقرأ الواقع العربى و يصل بمربعات خطأٍ أقلّ..سوف يجد أنَّ النظام العربى لا تتوافر لديه الفعاليات الكافية على المستوى القطرى- فى المنطقة العربية..فهو من السهل إختراقه و هو ما تمَّ أكثر من مرَّة..بالإيقاع بين الجمهورية المصرية و الملكيَّة السعوديَّة و إدارة حرب خفية على أرض اليمن إنتهت بضربة 1967 الموجعة..ثم بين العراق و سوريا وإيران على أرض لبنان إنتهت بإحتلال لبنان 1982 . و هو نظام عفوى ولا تتوافر لديه آليَّة فاعلة لفضِّ المنازعات ..مما أتاح الفرصة للتدخُّل الأجنبى فى المنطقة.


النظام العربى رغم خبراته المريرة لم يتعلم و دائرة التعلُّم لديه مقطوعة..ومصادره الإستخباريَّة يسيطر عليها خبراء الفرنجة..والصوت الشعبى مكبوت..وإذا خرج فلا يُسمع وكان الحكام قد إتفقوا مع الشعوب...أن تقول الشعوب ما تشاء..ويفعل الحكام ما يشاؤون.....
النظام العربى ممثَّل فى الجامعة العربية..لا يتمتع بالمصداقية الدوليَّة ، ولا يتمتع باحترام الشعوب العربية نظراً لقصوره الواضح أمام قضية عمرها أطول من عمر النظام ذاته. التنظيم الهيكلى للنظام يتسم بالشِّلَلِيَة الممثل العنصرى الجديد النائب عن القبلية المعروفة. أما الطامة الكبرى فهى أن أعضاء هذا المجتمع المتداعى لا يعترفون عمليا بكامل حقوق العضوية لأنفسهم وهو ما يفسر إعتداء دولة ذات سيادة على نظيرتها ومحاولة ضمها بالكلية.

لكل نظام أهدافه المعلنة التى تمثل حقوقاً طبيعية للأعضاء تتحدد بموجب الموروثات القومية والمحددات الإقليمية وعناصر الجغرافيا السياسيَّة المحددة لأبعاد النظام فضلاَ عن توافر الإعتراف الدولى ووجود قنوات إتصال تسمح لهذا النظام بالتفاعل مع المؤسسات الدولية المختلفة وإملاء الإرادة السياسية للنظام.
ولكننا إذا ما تصفحنا تاريخ النظام العربى لوجدنا تناقضاَ بيِّناً بين الحقوق الطبيعية كما يحددها العرف الدولى والمواثيق الدولية وبين الموروثات القومية التى خلقت وحدة عضوية متسقة ذات دعامات ثقافية وأيديولوجية فضلاً عن العوامل الإقليمية والإتصال الجغرافى الموجود منذ القدم. وبالتالى فإن منظومة الحقوق الطبيعيَّة هى منظومة مفتعلة ولا يتسق الإسم فيها والمسمَّى وإنما هى إحدى إفرازات فترة العصور المظلمة للثقافة العربية تحت نير الإحتلال الصليبى.

وإذا كانت مفردات الخطاب الدولى قد صيغت بمعزل عن ثقافتنا العربية، فإن ما يعتبره الآخرون حقاً طبيعياً قد لا يكون كذلك بالنسبة إلينا. والحدود العائقة المفتعلة منذ ما يقل عن قرنٍ من الزمان لا تلزمنا فى عرف التاريخ، وكما سقط سور برلين كان من المفروض أن تسقط شرعية هذه الحدود وبالتالى شرعية نظم عشوائية قزمية أتاحت لها ظروف دولية مشوهة أن تلعب دوراً مخربا على المستوى الدولى ومضيعاً لكافة الحقوق الأساسية للإقليم العربى الذى هو قلب العالم الإسلامى ونواة حضارته.وبناء على ذلك فإن الأهداف المعلنة للنظام العربى لم تتحدد فى ظل نظم شرعية ولا ممثلين شرعيين عن المجتمع العربى ، ولا يعرف بها أحد منا على وجه اليقين، وتثبت التراجعات المتتالية للجامعة العربية فيما يخص القضية الفلسطينية والحدود التى يقف عندها إختيار السلم أو الحرب ، أن هذا النظام لا يستند إلى مرجعية سياسية وليست له أهداف محددة ولا خطة ولا حتى إلتزامات مرحلية.

ثانياً- لكل نظام نفوذ وقوة توفر لقرارات هذا النظام الإحترام الكافى ، ووسائل ثوابٍ وعقاب تضمن لقراراته الفعالية والأهمية اللازمة لدى كافة الأطراف المعنية..فأين تقطن قوة النظام العربى ؟

للأسف الشديد.. فإن النظان العربى فشل فى تحقيق أدنى قدر من النفوذ ، حتى على مستوى الأعضاء أنفسهم ؛ والنتيجة هى ان السواد الأعظم من القرارت العربية تكون فقط للإستهلاك الإعلامى ولتهدئة الجماهير الثائرة أحياناً . ليس هناك جيش عربى تحت قيادة موحدة رغم أن الدافع الأساسى لقيام النظام العربى الممثل فى الجامعة العربية كان لمواجهة الإعتداءات المتكررة على عرب فلسطين من قِبَل عصابات صهيونية "الهاجانة" ترغمهم على التخلى عن ممتلكاتهم أو البيع القسرى لها وتسعى إلى إقامة كيان صهيونى فى المنطقة يضمن المصالح الغربية كهدف ثان ، وأما الهدف الأول فكان لتنظيف المجتمع الاوربى من جرثومة اسمها اليهود تسببت فى حربين عالمييتين وفسادٍ فى الأرض عظيم ؛ وكان هذا هو أجمل هدية يمكن أن يهديها الغرب الصليبى للشرق المسلم الذى طالما أدبه وهذبه وقلم أظافره، وتلك سوسة تنخر فى النخاع.

ولقد فشل النظام المكون من أكثر من عشرين عضواً أن يضمن سلامة هؤلاء المظلومين وكانت نتائج المجهودات المتواصلة لهذا النظام هى ضياع كافة الحقوق السيادية لدولة فلسطين، بل عدم إعتراف المجتمع الدولى بها، بل وصل الأمر إلى الإعتراف العربى الصريح الفاضح بذلك الكيان الدعى المسمى إسرائيل على أنه دولة ذات سيادة ، وعقد المؤتمرات معها و توقيع الإتفاقات مع شرزمةٍ من أشد إرهابىّ العالم تطرفاً.
أما ما نجح فيه النظام المسمى بالجامعة العربية ، فكان قبل أى شىء هو تخليص الغرب الصليبى من كابوسٍ مرعبٍ ومخيف إسمه " الجامعة الإسلامية " والتى كانت حلم الخليفة الأخير ومسعى جمال الدين الأفغانى.والمؤسسة الوحيدة التى إن قامت توافرت لها الشرعية التلقائية، كما انها لا تحتاج الى صياغة لمقررات او الاختلاف على دستور متهالك. وتعد قراراتها ملزمة على الصعيد الحكومى والشعبى على حدٍ سواء. ولكن الغرب الحاقد قد نجح فى تحييد الإلتزامات التاريخية للمجتمع العربى وزرع بينها دعاوى قومية لعزل العمسلمين العرب عن سائر العالم الإسلامى تمهيداُ لزرع النعرة الوطنية لتفتيت المجتمع العربى وهو ما نجح فيه إلى حدٍ بعيد حتى اليوم. بل إن الغرب الحاقد قد بدأ يوجه ضربته النهائية القاصمة بتفتيت هذه الأوطان ذاتها وذلك بإطلاق الدعاوى الطائفيَّة وتقسيم الفتات العربى إلى لقيماتٍ سائغةٍ يسهل هضمها. وحيث إنتهى الدور المفترض للجامعة العربية فقد بدأ الغرب فى إطلاق رصاصه على ذلك الحصان العجوز والذى بات معوقاً للمضى نحو النهاية المرسومة. وهو ما نجده من إفتعال صداماتٍ غير مبررة بين الأمين الحالى للجامعة وبين بعض الدول الخليجية لا سيما الكويت. ونحسب أن هذا هو المسمار الأخير فى نعش الجامعة العربية التى ما نجحت يوماً فى جمع العرب على مبدإ يعتبر محترماً لذاته إلا ونقض فى اليوم التالى وتم وأده عشية يوم ولادته. فاعتبروا يا أولى البصار.

الديكتاتورية خير من الفوضى ، والفوضى خير من الإحتلال

من المعروف فى العرف السياسى أن الوصول إلى المجتمع المدنى كان نتاج خطوات عديدة على مسار الفلسفة السياسية للمجتمعات والتى بدأت بما يسمى بالعقد الإجتماعى. وعلى صعيد إدارة الدولة فإن سيادة الدولة على أراضيها مقدم على توصيفات الحكم والحكام. فالشعوب الواعية لا تبالى بنوعية الحاكم أكثر مما يهمها إستقلال الدولة وسيادتها على أراضيها. ويعتبر قبول بعض العراقيين مثلاً لسلطة الإحتلال والتضحية بسيادة العراق على أراضيه فى مقابل التخلص من حاكمٍ لا يميزه عن سائر حكام العرب سوى أن الإعلام الصهيونى قد تولى فضحه، لهو دليل على قلة الوعى لدى هذه القلة التى رقصت فى بغداد آن سقوطها وما كان لهم إلا أن ينتحبوا ويقاوموا لولا جهلهم بأولوية السيادة.
والذى يهمنا هنا هو أن نشير إلى أن بقاء حاكمٍ فى السلطة ولو كان غير مرغوبٍ فيه، لهو أهون بكثير من التضحية بسيادة مصر على أراضيها وتسليم قيادتها لمحتلٍ لا يرقب فى مؤمنٍ إلاً ولا ذمة. والفرح بما يلقاه مسؤلون كبار فى الدولة من معاملة مزرية لدى أحبار وكهان واشنطن وأوربا سيكون له أثرٌ سيىءٌ جداً على مصداقية مؤسسة الرياسة مهما كان قائدها بعد ذلك والحط من قيمة مصر وتمهيد الإستهانة بها لصالح الأطماع الصهيونية العالمية. ولا أظن شعب مصر ليرضى بأن يعامل حاكم مصر مثل معاملة حاكم العراق، والذى رغم كل ما حدث لا يزال الحاكم الشرعى للبلاد ولا يعتد أكثر المتواطئين مع الإحتلال بتلك الحكومة العميلة وإن صرًّح بغير ذلك ليل نهار.
ولذلك نقول بأن ديكتاتورية الحكم هى أفضل عندنا من اللاحكم أو الفوضى ، والفوضى أفضل بكل حالٍ من الإحتلال الذى يأتى بحكومة عميلة لا تلبث أن ترتد إلى فوضى وصراع إجتماعى. ولننعم بذلك القدر اليسير من الحرية الذى ناضلنا كثيراً حتى نلناه، ولنساند قيادتنا ضد الهجمة الخارجية وإن تفاقمت خلافاتنا ووصلت عنان السماء، فسوف يأتى اليوم الذى يحل فيه التغيير بإرادةٍ أسبق من إرادة البشر ولنعلم أن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم. وإننا لنظن بأننا لم نتغير بعد بما يكفى لأن يغير الله ما بنا على الوجه الذى نتمنى. ولننتهز الفرصة ونبتر أطراف الفساد حتى تشل حركته ويموت بلا حراك. ذلك أقرب عند الله وأقوم. وليعض الذين يتربصون بمصر الدوائر أناملهم من الغيظ وليموتوا بغيظهم وإن الله لمخرج ما كانوا يحذرون وإنها لعائدة مصر إلى مكانها الذى غيبت عنه فى صدارة الشرق وقيادته.

الإعلام '' الصوت - مرئي ''.... حقق للغرب، مالم يحققه الاحتلال

يقول المولى عزَّ وجَلّ : "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ" (النور/19)

وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (من دعا الى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً).



لا جرم اننا نعيش في عصر الإنحطاط الأخلاقي بكل المقاييس، حين تندنس فطرتنا بكل هذا الكم من التداخلات الإعلامية المفتقرة إلى مبادئ الدين الحنيف، وشيم الأخلاق، والمتعارضة مع العرف الشعبي التقليدي، وحتى المسمى غلطاً بالمتحرر.

وإنه كلما أسدى كاتب من الكتاب، القليل من النصح ولو على استحياء إلى المجتمع بمبارزة هذه التوجهات الإفسادية الضلالية، خرج إليه أرباب الفساد والإفساد بكل ما لديهم من فتن، واستقبلوا كلامه بكل ما بخيالهم المريض من تصويرات حسية بهيمية، واقعدوا له كل مرصد. وإذا ما تفيهق أحد مدَّعي الثقافة بما ينال حظوتهم ويشبع بعضاً من غريزتهم، قاموا إليه على قلب رجل واحد يدعون له ويروجون على أنه الفذ الملهم، والعبقري الذي لا يُشقُّ له غبار. وأبناؤنا فيما بين ذلك وذاك، حائرون، تتقاذفهم أمواج الضلال والإضلال، ويقعون تارة في المعاصي وتارة أخرى في تأنيب الضمير. حتى إذا طال عليهم الأمد، قست قلوبهم وضُرب على قلوبهم بالران فلا يسمعون ولا يعقلون.

لماذا كل ذلك؟ أهو بسبب "فيلم" لا تتعدى مدته الساعتين، يعيشون فيه مع النظر إلى ما حرَّم الله، ويستمعون فيه إلى الخبيث من القول؟ أم تموت قلوبهم من كثرة الضحك على سفاسف الفكر التي تقلب أوراقها أمام ناظريهم على خشبة المرسحن يتعلمون في محاضراته المطولة بالساعات، أكثر الألفاظ تدنياً وسوقية؟ أم هو بسبب "مسلسل" يومي ينسى الناس فيه مواقيت الصلاة ويضعون أصابعهم في آذانهم، ويستغشون ثيابهم، كي لا تؤرقهم ضمائرهم لما تركوا من طاعات وأسرفوا في طلب المعصي وفعل الموبقات.

ناهيكم عن الممنوعات، التي لا يقبلها امرؤ ذو مروءة في بيته ولا يرضاها لأهله وبنيه خارج بيته، مما غدا بعض الشباب الذي فقد طريق الحق القويم، يسمونها عبثاً: "الأفلام" الثقافية. وكأن مقارعة المنكر ومزاولة الحرام درب من دروب الثقافة والمعرفة الواجبة لكل إنسان. إن هذا لهو من أصداء النداءات المتكررة لمخربي الفكر الغربيين الذين يطالبون بأن تصبح مواد الإباحية متاحة ومباحة لكل شاب وفتاة، بل لكل طفل ومراهق دون تفريق، وهي محرمة أساساً حتى على الشيخ المسن وليس فقط الرجل الشديد.

إن فساد السينما والتلفاز والمرسح، لهو من جراء السكوت على فساد النظام الحاكم برمته. فلو لم يكن الراعي فاسداً لما فسدت الرعية، ولو لم تكن هناك حكومات علمانية مجافية للدين ومنكرة للشرع الرباني، ومعرقلة لتطبيق شرع الله الذي شرع لعباده في الأرض، لما ظهر الفساد في البر والبحر، ولما تجرأ أهل الفساد حتى أصبح المتقون في فتنة وعذاب.

إن التربية وحدها لن تكون كافية لإعداد جيل يخدم مصالح الأمة ويدافع عن كيان الإسلام والمسلمين، ويقدر على أن يتحمل مسئوليته التاريخية في حمل مشعل الحضارة إلى الأجيال التي تليه، في ظل نظام يتهاون في حق الله ويضطهد الداعين إلى الله بكافة السبل ويفتح ابواق الإعلام وقنواته ليل نهار تصب المعاصي في آذان وعيون وقلوب الرعية، دون حشمة ولا خجل ولا تقوى لله القادر على أن ينزل بهم غضبه ونقمته في طرفة عين. وما هم بمعجزين في الأرض، وما لهم من دون الله من وليٍّ ولا نصير.

لقد اشرأبت أعناق المفسدين ووصلت هامهم أعلى من ناطحات السحاب، في أعمال لا يبغون من ورائها غير الإفساد وطلب الشهرة والمال الحرام. فترى منهم من يسارع بماله في إنتاج "أفلام" ساقطة من الوجهة الأخلاقية، تظهر فيها النساء عارات أو شبه عاريات، بل تظهر فيها أوضاع فاحشة بينة مبينة، لا تشك فيها العين ولا تخطئوها عين المراهق الذي يسعى وراء إشباع شهواته في ظل نظام حكمٍ فاسد أدى فساده إلى وجود أكثر من خمسة ملايين فتاة عانس وأكثر من ذلك العاطلين من الشباب. إنه النظام الذي غرر بالمرأة حتى خرجت من بيتها إلى الشارع، فأصبحت الواحدة منهن تقضي خارج بيتها أكثر مما تقضيه في كنف زوجها وعلى عينه. وأصبح زميل العمل يصاحبها في عملها فترة أطول من مصاحبتها لزوجها في بيته، ما حذفت فترة النوم الطبيعي للإنسان الطبيعي.

إنه الفساد الذي يأتي بالمفسدات الفاسدات من النساء لينصب منهن أئمة للضلال والإضلال، ثم يدفع بهن ليعظن نساء المسلمين ويقدمن لهن النصح الفاسد، ويحرضونهن على أزواجهن ويخربن بيوتهن بأيديهنن دون أية مراعاة لحرمة البيت الإسلامي، وحق الله على البشر. وإذا ما حاول النصح من يخاف الله ويتقه، ضيقوا عليه وسدوا في وجهه الطرق وطاردوه وطردوه وأغروا به سفهاءهم من الذين لا يعقلون كثيراً مما يقولون.

وباختراع ما أسموه بالنقد الفني، أصبح لكل من النابحين منهم مصطلحاته الخاصة التي تتعالى فوق ثقافة الجمهور، والتي يصفها إلى جانب بعضها، مدعياً العلم ببعض ما لا يعلم الآخرون، ويعضد موقفه في ذلك جوائز الصهيونية التي تتناثر فوق رؤوسهم ليوهموا العامة من الشعب بأنهم هم المثقفون، وأن ما دون ذلك فهم رعاع وجهلاء، أو متطرفون ومتشددون. وذلك على الرغم من أن مصطلحاتهم نفسها تدينهم، وتصل بالباحث في أمرهم إلى عكس ما يصلون إليه تماماً. ولنأخذ مثالاً لذلك في جائزة نوبل التي نالها المصري الراحل نجيب محفوظ.

لم ينل نجيب محفوظ في مستهل حياته من الإهتمام ما يشير إلى تفرده بقدرة أدبية مميزة. ولم يشد انتباه الأبواق التي سبحت بحمده فيما بعد إلا بعد أن كتب ثلاثيته الشهيرة ورواية " اولاد حارتنا". ولم يسمح له بنشر الأخيرة كاملة، وهو قد تطاول فيها على الذات الإلاهية، وتلك الفرية قد باء بها كل من كانت كتاباتهم عبارة عن سفاسف وتخريصات. ويكفي في ذلك أنه ما نال الجائزة المشبوهة إلا بسبب الثلاثية التي استخدم فيها الرمزية لسب الرسول في عرضه، وذلك باستخدام أسماء أمهات المؤمنين والسيدة مريم العذراء وبنات الرسول، رضي الله عنهن أجمعين، للدلالة على شخصيات رواياته الثلاث المشبوهة. ولم تحظ هذه الثلاثية باهتمام النقاد، حتى نهاية الخمسينات، حين كف لفترة عن الكتابة، وتأثر بالأفكار والوجودية الهدامة. وفي فترة ابتعاده عن الكتابة تزوج سراً لمدة عشر سنوات قبل أن يتضح أمر زواجه. وفي هذه الفترة وبالتحديد في عام 1959 بدأ في نشر رواية أولاد حارتنا التي صدمت المجتمع بما فيها من تطاول على الله. حيث رمز لله باسم "الجبلاوي" وجعل نهايته الموت- تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا.

وكانت الثلاثية هي أسوأ ما كتبه مصري عن شعب مصر، واستحقت بجدارة أكثر جوائز العالم شبهة وهي جائزة نوبل السويدية للأدب. فلقد وجد من يحتضن سفاسفه أخيراً. والذي ينظر إلى تلك المجموعة، أو الثلاثية- والتي حولت بالطبع إلى ثلاثة " أفلام" طويلة ومملة، سيلاحظ بوضوح: عدم توافر الإتساق الأدبي للشخصية المحورية، "سي السيد". والذي ظهر في تناقض صريح بين سلوك الشخصية في البيت، وسلوكها في الشارع، وسلوكها في الباطن. فهو يظهر في البيت بسلوك الرجل الشرقي الشديد، الذي لا تفكر أي من بناته فيمجرد النظر من الشباك بعلمه، ويظهر في الشارع بسلوك التاجر المنضبط الذي يمنح الصدقات بينما يختلس اللحظات لتحديد المواعيد مع العاهرات، وفي الليل فهو فاسق ولا يأبه لمعايير الأخلاق والدين. ثم فجأة: فهو ابن البلد الذي يكره الإحتلال ويرغب في زواله.

إن أي ناقد مبتدئ سوف لا يصدق أن مثل هذا الخطأ "الدرامي" يقع فيه كاتب و ينال عنه في يوم من الأيام جائزة عالمية، يزعمون أنها نزيهة.

أما الإصرار على توظيف الغرائز الجنسية في خدمة العمل الدرامي، وسعياً نحو استقطاب أكبر عدد من الجمهور غلى دور السينما ومقاعد المرسح، فهو يدل على أن العامل التجاري لا الأدبي هو الذي يحكم روايات من يتصدرون لكتابة الأعمال الفنية أو تجهيزها لتصبح عملاً من الأعمال الصوتمرئية. وهم يعتمدون في تبرير ذلك على أفكار قديمة ترجع إلى كتابات رائد التحليل النفسي سيجموند فرويد عن القمع البيولوجي من قِبل العناصر الحضارية. وهذه الكتابات التي طورها فيما بعد هربرت ماركوزه (1898-1979) في كتابه "الجنس والحضارة"، والذي جمع فيه ما بين سقطات الماركسية والفرويدية، اللتين اعتبرتا أن العامل الثقافي والديني هو عامل قمع للطبيعة التي تستوجب إطلاق الرغبات البيولوجية الجنسية على مصراعيها. وقالوا بأن وقوف العوامل الحضارية أمام الرغبات هو بمثابة قمع للذة والسعادة التي يجب أن يحظى بها البشر. بل تمادى على محور الماركسية حين جعل هناك فرق بين طبقة العمال والطبقة العليا في الحقوق البيولوجية ولا سيما الجنسية، حيث أباح للطبقة البرجوازية حق التمتع المطلق بالحقوق البيولوجية، في حين حدد هذا الحق بالنسبة لطبقة البروليتاريا فيما لا يتعارض ومصلحة العمل والناتج القومي. ولقد تشرب بعض مشاهير الكتاب بهذه الأفكار سواء وصلت غليهم بشكل مباشر أو غير مباشر، وانعكست في كتاباتهم في صورة عداء لكل ما يمت إلى القيم والمبادء السامية، ولا سيما الإسلامية.

ولقد أصبح واضحاً أن هناك مجموعة غير قليلة من الكتاب أو من يزاولون الكتابة قد رصدت نفسها لدفع المجتمع نحو التحلل من كل القيم والمثل، التي يعتبرونها معوقاً أمام السعادة واللذة. بل وتوظيف هذه الرغبات في خدمة العمل الدرامين حتى بات استنصار العمل الدرامي لأبطال العمل المتحللين أمراً طبيعيا، ومثال ذلك في "فيلم: اللص والكلاب"، وهو عن رواية نجيب محفوظ بنفس الإسم.

ومن الواضح في كتابات نجيب محفوظ- أحد المصادر الأساسية لأفلام مصرية شهيرة- نزوعه إلى السياق الملحمي، وتأثره الشديد بالميثولوجيا اليونانية، دون اعتبار للمحددات الإسلامية والمنطلق الثقافي للجمهور المسلم الذي يتلقى كتاباته في أشكال مختلفة. وتظهر فكرة التعددية المعبودية وعبث الآلهة كظل ملازم لتفكيره الذي صبغ بصبغة وجودية تتعارض بشكل صارخ مع المقررات الإسلامية. ورغم شناعة هذه الأعمال إلا أنه قد وجد من يروج له على أنه مبدع ومتحرر (متحلل)، ويتخطى المحلية بجسر التحلل إلى العالمية. ولم يلق الكثيرون من النقاد بالاً إلى التأثير الطبيعي لجملة الأفكار التي يحملها حكام الأدب العالمي على مصداقية الجوائز والشهادات العالمية من المنظور المحلي والإقليمي، بل ساروا على نهج الغرب في التقدير والتقييم، وانصرفوا بالكلية عن المحددات التطبيقية للأدب الإسلامي والتي أصبحت هي نفسها محددات الأدب العربي منذ أن دان العرب بدين الإسلام.

وتظهر فكرة العبث الإلاهي – تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- في كتابات نجيب محفوظن بل إنه قد تجاسر على إطلاق اسم "عبث الأقدار" على واحدة من رواياته. وافترض عدم وجود الله- تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً- في عدد كبير من رواياته الرمزية الفلسفية مثل رواية "ثرثرة على النيل"، والتي حاول فيها عرض مساوئ المجتمع ومناقشتها من خلال شخصيات غائبة عن الوعي- إقصاء العقل- ثم تدرج في سياق وجودي ليفترض في النهاية غياب الله، وماذا لو لم يكن الله موجوداً. وكان الأحرى به أن يفترض غياب الضمير، حيث تؤدي نفس المعنى المقصود، دون الوقوع في جرم كهذا، غذ لا يصح بحال من الأحوال افتراض غياب الله- سبحانه وتعالى- الذي به يثبت الوجود نفسه، وبحقيقة وجوده تثبت الحقائق الوجودية الأخرى.

كل هذا العبث الفلسفي قام نجيب محفوظ – المغمور- بخلطها بفاتح الشهية المعتاد – الجنس- وصبها في قالب روائي، انبرى بعض المفسدين إلى تحويله إلى "أفلام" و "مسلسلات" و "مرسحيات"، ليقدموا لنجيب محفوظ – الشهرة – والجائزة التي لا يستحقها غيره.

وبتربية أجيال من المسلمين، يعتمدون على أفكار مناوئة للعقيدة الإسلامية، وأفكار مثبطة للعزيمة تعتمد في النجاح على مبدأ "سندريللا"، ومن يوافقه الحظ ويحظى بفرصة العمر، لتتحول حياته البائسة بدون عمل وتضحية ومثابرة وعناء، إلى الشهرة والمجد والثروة الطائلة. وهو ما يتكرر كثيراً في "أفلام" مرحلة من مراحل الضياع التي تتكرر في تاريخ المصريين منذ تغريب المجتمع وإقصاء فكرة الحاكمية لله، وإقصاء الشؤيعة الإسلامية وتغييبها. فنجد السواد الأعظم من الروايات التي كتبت في فترة الخمسينات والستينات، تعتمد على الإنتقال الطبقي، ليس بالعمل والإنجاز والنجاح والتدبير، وإنما بالعتاصر الظاهرية وقصة حب إبن النبلاء لإبنة الصعاليك، ويحدث العكس الآن. وهو مما يوهن عزم الشباب ويدفعهم إلى طلب الإنتقال الطبقي الفجائي، فإذا ما فشل الشاب في ذلك يكون المصير إما عقدة نفسية واكتئاب وإدمان وربما انتحار، وإما التحول إلى الجريمة والسرقة، ويتم ذلك بتبريرات اسقاطية وسخط على المجتمع والنظام الحاكم، وتصوير مثالب النظام الحاكم والمجتمع على أنها هي السبب الوحيد فيما آل إليه حاله. والواقع أنها وإن كانت تتحمل الكثير من ذلك، إلا أن السموم التخريبية التي يتعاطاها الشباب في "السينما" و المرسح، وعلى شاشات التلفاز، تعد أول ما يجب أن يُحاسب عليه النظام الحاكم من انحراف. ويجدر بنا هنا الإشارة إلى عدم تقدير خطورة مركز وزير الإعلام، ووزير الثقافة، وتعلية وزارات أخرى على هذه الوزارات. إن ما يتعلمه المواطن من وسائل الإعلام يفوق بمراحل كثيرة، ما يتعلمه الطالب في المدرسة. والدليل على ذلك في المعرفة بالتاريخ؛ حيث تسكن في ذاكرة الكثير منا القصة "السينيمائية" لبطل تاريخي، أكثر من القصة الواردة في كتب التاريخ. قارن مثلاً قصة "وا إسلاماه" بالقصة الحقيقية للبطل التاريخي السلطان سيف الدين قظز. وهذه القصة قد نفذت على شكل "فيلم" وعلى شكل "مسلسل". ولاحظ الإفراط في التركيز على علاقة الرجل بالمرأة، لا سيما في "الفيلم"، والتجاوزات الصارخة في حق بطل تاريخي. وكثيرة هي الشخصيات التي شوهها الإعلام بسبب الإصرار على إضافة "فاتح الشهية". وتعد شخصية الخليفة العباسي هارون الرشيد من أكثر الشخصيات تشويها كما نعلم.

ولربما أننا قد عرضنا لشخصية نجيب محفوظ على وجه التحديد، إلا أن هناك من كان لهم دور ربما أكبر، في تشويه النسق الأخلاقي للمجتمع المصري والمجتمعات العربية – بوصف الإعلام المصري هو المسيطر على السماء العربية الإعلامية- وغرس القيم الهابطة ، ونشر المصطلحات السوقية البذيئة والساقطة على ألسنة الجماهير العربية مما أثر بشكل كبير على المستوى الأدبي والحسي للجماهير العربية. بل إن هناك من كتاب الحوار "السيناريو" من ينزلون إلى الأماكن العشوائية وينتقون أقذر الألفاظ وأكثرها سوقية، ليضعوها على ألسنة أبطال "أفلامهم" و مسلسلاتهم، فهم يتشدقون بها وكأنهم اكتشفوا ثقافة عليا أو مثالاً يحتذى به – ولله المثل الأعلى في الماوات والأرض- ونسوا أن الدين الإسلامي الحنيف، هو دين آداب عليا وأخلاق سامية، وأن الله لا يرضى الفحش من القول، وأن المسلم ليس بلعَّان، وأنه ما ينطق من قولٍ إلا لديه رقيب عتيد، وأن الكلمة الطيبة صدقة، وأن هناك فرقاً فارقاً ما بين الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة. بل هم يفخرون بأن يردد بعض الدهماء مصطلحاتهم الغوغائية. ولكم في مجموعة "أفلام" محمد سعد (الليمبي) اسوة سيئة، ومثالاً شائناً، ونماذج كارثية من الألفاظ التي يفاجئونا بها أولادنا- بل وبعض البالغين اليافعين من رجالنا ونسائنا. ولا أدري لماذا تم اختيار اسم "الليمبي" هذا بالذات، وهو لا يذكرنا إلا بأحط شخصيات التاريخ، والذي لعب دور الفتنة بين العرب والترك، مما كان سبباً في سقوط الخلافة الإسلامية، وهو " اللورد اللينبي" الذي تمكن من هزيمة الجيش الإسلامي التركي عام 1917 و احتلال القدس وقولته المشهورة "الآن انتهت الحروب الصليبية". وبعد أن كانت تحرق في بورسعيد دمى لقادة الإحتلال الإنجليزي للأمة العربية، وكانت دمية اللينبي في مقدمتها، فاليوم اللينبي شخصية مضحكة، وشر البلية ما يضحك. وكأننا نحتفل به ونخلد ذكراه، فضلاً عن جسر في فلسطين يحمل اسمه ويمجده.

هذه لقطة "سينيمائية " أو "تليفيزيونية" من الإقصاء التاريخي الذي تصر وسائل الإعلام على تكريسه وتوسيع دائرته بقوة. ونحن وإن عرضنا لنجيب محفوظ فلسوف يكون علينا أن نعرض لآخرين مثل إحسان عبدالقدوس، ويوسف السباعي وغيرهم. وأشد من ذلك خطراً المخرجون الذين ينتقون الروايات، ويحولونها إلى صور حية، وكتاب السيناريو الذين يضيفون إليها من الفسق والمجون ما يجعلها أكثر فساداً وإفساداًن وقبل ذلك نظم الحكم المريضة التي تريد أن تلهي شعوبها عن الحقائق الثابتة لجرائمها وسرقتها الدائمة للبلاد، والإفقار المتعمد للجماهير، وتهميش الريادة الإسلامية، وتزييف إرادة الشعوب المسلمة. إنها قضية شائكة للغاية، وهي مقدمة على العديد من القضايا التي قد لا يغني الخوض فيها فتيلاً. أما قضيتنا هذه، فهي قضية إيقاظ المروءة التي يبدو دورها وقد خبا وراء ذلك الكم الهائل من الجدل الأخلاقي. وكان الإنسان أكثر شيئ جدلاً. وإن يعلم الناس أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة على المسلم، ولا يكفيه أن يغلق عليه بابه. وصدق الله تعالى حين يقول: "وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ".

مصر.... وآلام المخاض

ما تعرض شعب قط لمثل هذه الإنتهاكات المتتابعة دون أن يكون هناك عاصفة تغيير تابعة لمثل هذا الخمود. والحقيقة ان العالم كله يرقب بعين الإهتمام تطور الأحداث على أرض الكنانة. فلقد بدا واضحا للعيان أن ذلك الترهل السياسي والتخمة التي يعاني منها النظام الحاكم ويحاول جاهدا أن ينقص من وزنه وينهض في مجابهة القوى الفتية التي تتهدده في الداخل، والقوى المغرضة التي تسعى لنهش كفنه قبيل موته كيما يُدفن عرياناً مفضوحاً، في محاولة منها للتقرب من القوى الجديدة التي بدأت تعزف معزوفة النصر من خلف أسوار السجون.


إن النظام في مصر قد فقد مصداقيته تماماص وللمرة الأولى منذ الثورة المشوهة في يوليو 1952. فاليوم ينظر الناظر فيجد نظاماً يكرهه شعبه بكل المقاييس، ويعلم أنه أصبح لا جدوى منه ولا أمل يُرجى فيه. فقد شاخ النظام بأسره وتفككت مؤسسات انضباطه وأصبح أقرب ما يكون من الفوضى الهدامة. بل إن التظام قد فقد القدرة على التفكير في إحداث تغيير حقيقي يستر به عورته التي باتت مكشوفة تماماً بلا حياء أو خفاء. ولم يصل نظام قط إلى مثل هذا الترهل في أي مكان في العالم إلا وسقط من أهون نفخة. النظام عادة ما يعتمد في قوته على القانون الذي يعكس العرف ويترجم مرجعية الشعب ويتمتع بالمصداقية والإحترام. ويظل النظام في منأى عن التهديد أو الزوال ما دام مستخدماً للقانون وراعياً له، حيث القانون هو الترجمة الحقيقية للعقد الإجتماعي الذي يربط بين شرائح المجتمع ويؤكد على تناغم الأطر الثقافية ووحدة الهدف.
بيد أن النظام في مصر قد استنفذ كل أساليب المماطلة السياسية والتلاعب بالقانون حتى وصل إلى مرحلة عدم الإحترام الكامل للقانون والحريات والحقوق المدنية، فسقط من عين الشعب المحافظ والمتحفظ منذ الوهلة الأولى لتكوين نظام الثورة على ما شاب المنظومة القانونية من تشويه جعل من الشريعة الإسلامية مصدرا من مصادر القانون وليس المصدر الوحيد. ومن المعروف أن الشريعة الإسلامية تختلف عن كافة الشرائع الموجودة في القاموس السياسي في كونها غير قابلة للخلط مع شرائع أخرى، فهي شريعة كاملة فوقية لابد أن تتمتع بالسيادة الكاملة، ولا تقبل الدس ولا التدليس. ولقد أفلحت عمليات الزخرفة والتزييف في إظهار الشرائع الأخرى بمظهر براق أغرى البسطاء وساعد في ذلك إقصاء الخاصة والعلماء إلا من يسجد لرغبة الظام ويركع. وبقي أن تثبت التجربة للشعب أنه قد غرر به. والوقائع الحقيقية لا تكذب. وعاش النظام على مدى نصف قرن ويزيد على المداراة والترقيع، حتى أصبح ثوبه عبارة عن رقع متشابكة اختفى فيها كل أثر للثوب الأصلي. فلم يعد هناك فصل بين السلطات الثلاث، ولا حرية للرأى والفكر، وعاد الإحتلال في ثوب جديد وقناع ما لبث أن سقط، وانكشف زيف النظام ووضح تماماً أنه مجرد أداة يتلاعب بها الغرب أنى شاء. إن شعباً كشعب مصر لا يمكن أن يخدعه أحد كل الوقت.
الحزب الوطني اليوم هو تكوين هلامي غير متسق، ولا يرتكز إلى مرجعية ثابتة بعد أن تم على مر السنين عمليات متتابعة من الإضافة والحذف في قاموسه السياسي حتى اختلت مصطلحاته وأصبح مجرد واجهة لشىء لم يحدث أبدا في تاريخ حكومات الثورة المتتابعة، هذا الشىء هو ما أسموه بالديمقراطية. ذلك المصطلح اللقيط الذي أرادوا له أن يحل مكان الشورى فإذا به يهدم كل الأطر السياسية ويستخدم للوصول إلى قناعات لا تمت إلى العدالة السياسية بصلة. هكذا سقط الحزب الوطني فكرياً قبل أن يسقط عند الشعب، الذي لم تتح له الفرصة أبدا ليعبر عن رأيه في ظل حكومات الثورة. إن الشعب المصري لا يتحمل تاريخياً أيا من سقطات النظم الحاكمة وليدة الثورة وأهم نتائج تشويه الإرادة الشعبية. فهو شعبٌ قد تم تغييبه لنصف قرن من الزمان، وها هو يعبر عن سخطه إذ يفيق. ها هو قد بدأ، وها هي مصر تعاني من آلام المخاض، ولعل جنين الحرية أن يحقق للشعب الغاضب المقهور، ما يعيد إليه عزته وكرامته.خرىأ

مصر ... والوصول إلى حالة العفن السياسي

مصر اليوم هي مصر التي ترتدي أغمق اثواب التاريخ. تعيش في حالة شاذة من العفن السياسي والتدهور الاقتصادي والاجتماعي. مصر حاملة لواء الدفاع عن العقيدة، هي الآن التي تهان فيها الرموز الإسلامية القديمة والمعاصرة. مصر، صوت العزة والدفاع عن العقيدة هي اليوم التي تسمح لتلفزاتها بالدس على الإسلام والنيل منه والخوض في أعراض الصحبة الأجلاء.


مصر التي وقفت مواقف العزة في نصرة الاسلام هي التي تقود العالم الاسلامي اليوم الى مورد الضياع. مصر التي كم حرضت المسلمين على القتال، اليوم تخشى القتال وتركن الى مرابط الأوحال. لم يعد هناك راية ترفرف وتخفق بالعزة للإسلام، ولكن تبدلت الأرض ومن عليها، وحل في مجالس العظماء، مسوخ آدمية ذات عقائد هلامية تتشكل وفقاً لمقررات مغرضة ومنحرفة صيغت بأقلام الأعداء في عصر سلام الأنعام.
عندما تنحرف شخصية في اعلى مراكز الإرشاد الديني عن جادة الصواب فإننا في مصر غريبة ومشوهة، وليس مصر التي عرفها التاريخ. وعندما يلعق ساستنا أقدام الصهيونية المتبجحة يوما بعد يوم، ويقبلون يدها التي لم تزل تلطخها كل يوم دماء جديدة لمسلمين أبرياء، فإننا نعيش بحقٍ في عصر العفن السياسي. وعندما تصبح مصر من أكبر مستوردي القمح في العالم بعد أن كانت سلة غلال العالم، فإننا نعيش في عصر الإحتلال الذاتي. وهو عصرٌ يظهر الإحتلال التقليدي بجواره ناصعاً براقاً. وعندما يصبح الجهاد في سبيل رغيف العيش هو أسمى أمانينا فإن تاريخ مصر بكامله يصبح منا براء.
اليوم أيها الشعب الساكت آن لك أن تتكلم، وهذا حقك الطبيعي في العيش وليس منة من محتلي كراسي الحكم ولا تفضلاً. اليوم أيها الجائعون الباحثون عن رغيف الخبز الذي كنتم تطعمونه للدواجن آن لكم أن تزأروا. اليوم أيها المسجونون في سجون الحرية والكرامة آن لكم أن تنالوا العدالة التي ستسطر لكم حكماً بالعزة بعد المهانة وبالرفعة بعد أن كنتم مستضعفين في الأرض. اليوم آن للعالم أن يرى مصر مرة أخرى على خارطة العالم، وليس ثقباً في قلب العالم الإسلامي. اليوم أصبح اللعب مكشوفاً للجميع، وأصبح الإجماع متوفراً، وتوحد الجميع رغماً أو طواعية في طابور المظلومين. اليوم لم تعد هناك خلايا صامتة وخلايا نشطة، اليوم كلنا خلايا مظلومة ومهضومة، اليوم كلنا شعبٌ فاقد لأبسط حقوقه المدنية. اليوم صقلتنا التجربة جميعاً، وعلمنا أن الذي يفرط في صوته اليوم يفرط في عرضه في أول صباح الغد. اليوم يعلم كل مصري حق اليقين، لماذا أصبحت مصر اليوم اسماً على غير مسمى. اليوم آن لنا أن نعيد لمصر مصريتها.
عندما يتاح لك أن تقف أمام صندوق الإقتراع، فقط تذكر انها شهادة في عنقك أمام الله الذى يجب ألا تخشى فيه لومة لائم. تذكر كلَّ وعدٍ عشت عليه ولم يتحقق، وتذكر شباب مصر وعلمائها المسجونون، الذين يتضرعون إلى الله أن يهديك سداد الرأى لتختار لهم ولنفسك ولولدك من بعدك الحرية. تذكر هموم المسلمين الذين ينظرون تجاه مصر قبلة الحرية الأسيرة أن تتحرر كي يتحرروا معها. تذكر أبناء مصر المسرطنين بفساد زراعتها، والجائعين بنقص ثمرتها، والمطرودين بظلم ظالميها. تذكر عقول أولادك أولاد مصر المستهدفة، وخراب تعليمها وخراب اقتصادها وتردي عملتها وتدني خدماتها وضياع أبنائها وبناتها. تذكر قبل ذلك كله معنى شهادة الزور إذا شهدت بغير الحق، وتذكر كتمان الشهادة من الله، إذا لم تشهد ورضيت لأن تكون من المُخَلَّفين. تذكر أنه سيصيبك من وزر كل ظلم نصيباً إذا توليت قوماً ما رعوا في مسلم إلاً ولا ذمة. تذكر قبل ذلك كله، الله. ثم اختر لنفسك. واعلم أن من ابتغى العزة في غير اللع فقد ذل، واعلم أن الحل لكل ما نحن فيه من بلاء، إنما هو الإسلام. سنة الله التي فطر الناس عليها، ولن تجد لسنة الله تبديلاً، ولن تجد لسنة الله تحويلاً.

لمصلحة من؟ تشوية التركيبة السياسية للمجتمع المصري

مما لا شك فيه أن "الإخوان المسلمون" لم ينجرفوا يوماً نحو العنف تجاه ايٍّ من العناصر السياسية للوطن، فضلاً عن مواقفهم الواضحة التي تعكس حرصاً على مصالح الوطن والمواطنين، وشمولية النظرة السياسية وعدم التركيز على متغير وإهمال المتغيرات السياسية الأخرى، أو الإنغماس في توجه وغض النظر عن توجه آخر.


كل المتغيرات قيد البحث، واتخاذ القرارات يكون شمولياً ويعتمد على تعددية المصادر وليس الأحادية أو التعصب لجهة دون أخرى. هكذا يشير تاريخ الجماعة بوضوح وشفافية. فهم الجماعة الأحق بأن تُفتح أمامها السدود والمعوقات التي وضعتها النظم الحاكمة المتعاقبة منذ الثورة أمام أي معارضة حقيقية تخرج إلى النور وتصل إلى الجمهور.
فإذا كانت هناك جماعة قد سلكت مسلك العنف، وعرضت المشروع الإسلامي للخطر، ووقفت في معارضة دموية أمام النظام الحاكم، راحت في طريقها أرواح كثيرة منها ما أزهق بغير وجه حق. إذا كان هناك من اتجه إلى حمل السلاح في وجه الحاكم ايا كانت مبرراته، فهل ذلك أولى بأن يقرب ويشمله عطف النظام بعد ما كان؟
لقد دأبت جماعة "الإخوان المسلمون" على تثقيف المجتمع منذ باكورة نشاطها، والتزمت خطاً ثابتاً على مدى تاريخها الحافل، بالسعي إلى إعادة الحقوق المسلوبة للوطن مهما كلفها ذلك، وبالجهاد المباشر ضد الإحتلال دون هوادة، وبالسعي الدؤوب من أجل تحقيق التوافق والوحدة الوطنية، وعدم السماح للقوى الخارجية بالتدخل أو إملاء الشروط السياسية على طائفة باستغلال طائفة أخرى، وهو ما يحدث عادة باستغلال القوى الخارجية للحكام العرب تلويحاً بإطلاق يد القوى الداخلية ودعمها. وهم يزعمون لأنفسهم وجوداً غير حقيقي ومبالغ فيه، من أجل إخافة الحكام والحصول منهم على تنازلات متتالية. جماعة "الإخوان المسلمون" هي جماعة ذات مبادئ واضحة ولا مجال للقوى الخارجية للتعامل معها ضد النظام الحاكم ولا ضد أى أحد، فهي تلتزم بمرجعية ثابتة هي المرجعية الإسلامية الثابتة، التي لا يمكن أن تتفق مع محاولات الغرب المغرضة لتقويض النظم الحاكمة وخلخلتها من أجل تحقيق مساعيها الإحتلالية، وتكريس الإحتلال اللوجيستي.
ليس هناك من يعترض على أن يقوم النظام بالعفو عمن أخطأ وأن يتوسع في العفو وأن يعتمد المصالحة الوطنية، ولكن أن يكون ذلك في ظل قيام النظام بالتعدي على حقوق أكبر قوى المعارضة وسجن الأبرياء بالتلاعب بالسلطة القضائية وإبعادها. إن ذلك ليس غريباً وهو متوقع من نظام ينصت إلى نصيحة الثعلب الغربي والذي يؤكد له كل ساعة بأن عفوه عن المعارضة المسلحة سابقاً هي أفضل طريقة لمواجهة تنامي الإخوان. إنها محاولة محكوم عليها بالفشل، حيث إن نقاط التلاقي بين الإخوان وهذا النوع من المعارضة أكثر من نقاط تلاقي الأخيرة مع النظام. ولا يكاد الإخوان يجدون ما يخالفون تلك المعارضة فيه غير أسلوب المعارضة، والذي يصر الإخوان أن يكون بالمعارضة السلمية والوسائل المشروعة ما كان هناك سبيل إلى ذلك. وإن النظام بهذه الطريقة يكشف الستار عن رغبته في دفع المعارضة السلمية نحو التهور والعنف، وهو ما لن يناله النظام، ولسوف ينال بدلاً منه انتزاع ما تبقى له من شرعية مهتكة، بعد أن قضى تقريباً على أُطُر الشرعية التي هي أساس أي نظام. لقد تمكن الإخوان من الحصول على التفويض الشعبي الذي هو أساس الإعتراف، شاء النظام أم أبَى. وأثبتت الحوادث المتعاقبة أن الإخوان هم أكثر مرونة وحكمة من النظام الذي لم يعد يفكر بغير العصا والكرباج. إن نظاماً لا يعتمد الحوار في التعامل مع غرمائه السياسيين لهُوَ نظامٌ كسيحن لا يُتوقع له الإستمرار كثيراً. وها قد بدأت تحليلات في العالم تتحدث عن بدائل واحتمالات، وأصبحت مصر المعروفة بالإستقرار السياسي تعتبر اليوم إحدى نقاط التوتر البركاني الذي لا يمكن التنبؤ بدقة بموعد انفجاره.
لإن المراهنة على ضرب القوى المعارضة بعضها بالبعض هي نتاج عدم فهم للواقع المعاش، والحكم على الأمور من فوق أبراج العاج دون النزول إلى الشارع واختبار مدى مصداقية النظام لدى الجماهير الغاضبة. وحتى رغم تدني مستويات توزيع الصحف القومية وتزايد مديوناتها، وعزوف جماهير المثقفين عن القنوات الرسمية وانتقادها بحدة، وانتشار القنوات البديلة وتراجع شعبية النظام الحاكم إلى أقل من 11% نحسبهم من المنتفعين والمتسلقين الذين يتعايشون مع النظام بحكم أمثال بالية ترسخت في عقلية أنصاف المثقفين يضمن بها النظام وجود بعض الملوحين على حافة الطرقات ممن تلتقط عدسات التزوير صورهم لإيهام العالم بأن النظام لا يزال يتمتع بالدعم الشعبي. لم تعد هذه البلاتوهات تقنع العالم الخارجي وخاصة بعد أن بدأ سفراء بعض الدول ينزلون إلى الشارع لتقصِّي الحقائق ورفع تقارير مباشرة إلى ذويهم عن الحالة الحقيقية وما خلف العدسات. إنها مرحلة الإحتضار وهي أخشى ما نخشاه، حيث يجازف النظام الحاكم بالأمن القومي في مقابل إطالة ما تبقى له من نصيب في تاريخ الحكم. فلمصلحة من يمكن ان تكون هذه التصرفات غير المسئولة تجاه شرفاء المعارضة، وغلق خط الحوار الحقيقي المتاح للنظام. وإلى متى سيعيش شعب مصر مكبلاً ومسلوب الإرادة؟ وكيف يمكن أن يقبل الشعب كل هذا التغييب والإقصاء والإنزواء السياسي والثقافي الذي تتعرض له مصر. وهل مرت مصر بأسوأ من هذا من قبل؟

كيف تعلم طفلك الرياضيات

لا شك أن العملية التربوية قد نطورت عن ذى قبل، ولا شك أن معلمي اليوم يختلفون كثيراً عن معلمي الأمس. فهناك تطورات سلبية وأخرى إيجابية. ولكن الذى لا نزال نعانى منه هو أن الجانب الأكبر من التطوير يتركز فى المادة العلمية والوسائل التعليمية وليس فى طرق التدريس ومنهجية التعليم. فمثلاً قد نلاحظ أن المعلم قد تغير من كونه يدخل الفصل ومعه الطباشير إلى كونه يحمل قلماً كبيراً، وتغيرت السبورة السوداء لتصبح بيضاء بدعوى الخوف من الكآبة والحرص على صحة المعلم.


وهذا وإن كان تطوراً إلا أنه لا يغنى الطالب فى شىء، بل أدى إلى رداءة الخط نظراً لأن الطباشير أكثر فائدة فى تحسين الخطوط. وأصبح الضرب ممنوعاً فأدى إلى إتخاذ وسائل أخرى للعقاب دون النظر إلى أن عناصر الشخصية تختلف من طالب لأخر، وقد يكون العقاب الأدبى أكثر وقعاً من الضرب أحياناً. فلم تتم ترقية أنواع الردع والعقاب الأدبى كبديل عن الضرب مما دفع بالمعلمين إلى إبتكار وسائل عقابية إرتجالية تؤدى إلى آثار أقوى من الضرب وأشد ضرراً. مثل التكدير والإهانة اللفظية والتقبيح (للإناث) واللعب على وتر الخجل فى المدارس المختلطة كإحراج المراهقين (إحراج البنات أمام الصبيان والعكس) وقد يفضل الطالب أن يُضرب مائة مرة ولا يتعرض لمثل هذه الأساليب التى قد تتطرق إلى خدش الحياء أحياناً. وهذا من مثالب المنع دون توفير البديل.

وما نهدف إليه فى بحثنا هذا هو التركيز على أن التطوير يجب أن يركز بشكل أساسى على طرق التدريس. وذلك بتشجيع البحث فى ذلك الجانب إلى درجة منح براءة الإختراع للفكرة المميزة. فالإختراع الأدبى قد يكون أكثر فائدة للمجتمع من الإختراعات المادية فى بعض الأحيان. ويجب أن توضع عقلية الطفل ومستوى ذكائه موضع الإعتبار ولا يُعامل الطفل على أنه ساذج ومحدود المعرفة. فبعض الأطفال قد يطور طرق تعلم ذاتية تصل به إلى نتائج متقدمة غير متوقعة وسابقة لمرحلته بكثير. وتكون معاملته باستهانة هى أكبر ضربة توجه إلى تطلعاته وحبه للمعرفة وبالتالى إلى مستقبله ككل. ومن هنا فطرق التدريس يجب أن تنضح لتوازن التطور فى المادة التعليمية ووسائل التعليم.

فمثلاً لايزال تعليم الرياضيات يعتمد فى مدارسنا على حفظ المعادلة وتطبيقها والتدرب عليها دون أن يعنى بأهمية هذه المعادلات للطالب الطفل، ولا مدى إستفادته العملية من تلك النظريات التى من الممكن أن يتفوق فيها دون أن يعيها على المستوى التطبيقى. وقد كنت قد تعرضت لمشكلة لدى أحدى الأسر الصديقة والتى أنعم الله عليها بطفل ذكى. وكانت المشكلة هى أنه يتوقف إهتمامه بالمادة الدراسية على فهمه لها من الوجهة التطبيقية، وكثيراً ما كان يسأل ماذا سأفيد من هذه أو تلك. ورغم محاولات أبويه الدؤوبة إلا أن الطفل لم يجد ما يقنعه بجدوى تعلم المعادلات الآنية فى متغيرين. فهو يقول ماذا سنجنى من معرفة سين أو صاد وقيمة كل منهما. وكانت تعتبر أكثر الموضوعات مللاً بالنسبة إليه. وطلب منى أبواه إقناعه بطريقة مختلفة.

ذهبت إليهم فى يوم أجازة وتحينت لحظة صفو كان الطفل يلهو فيها. وبدأت فى سرد الفكاهات والطفل يضحك ويقترب شيئاً فشيئاً من مصاحبتى والأنس بي. ثم غيرت إلى الأحجيات البسيطة وهو يحاول حل بعضها ويعجز عن البعض. ثم دسست له أحجية بسيطة كانت: عدد من العصافير فوق شجرة وعدد آخر تحتها. فإذا هبط عصفور إلى أسفل تساوت المجموعتان، أما إذا صعد عصفور لأعلى، أصبح عدد العصافير أعلى مساوياً لمثل عدد العصافير فى أسفل الشجرة. فكم عدد كل منهما؟. وعبثاً حاول الطفل ثم اجتهد بعد أن ألهبت المسابقة بجائزة مغرية. وبعد أن أتعبنى بإلحاحه أن أساعده فى حلها. طلبت منه ورقة وقلم. وكانت المرة الأولى التى يسعد فيها بمثل هذا الطلب(على حد قول والده). وبدأت أفترض السين والصاد، والمعادلة الأولى والمعادلة الثانية. ولمحت فى عين الطفل ندماً على إهمال تعلم هذه المعادلات. ثم خرجنا بالحل معاً. وبحماس واضح لدى الطفل تجاه تعلم المعادلات الآنية فى متغيرين. لقد تغير الأمر تماماً، والسبب هو تغيير طريقة التدريس فقط. فهل عرفت كيف تعلم طفلك الرياضيات؟

بالطبع ليس مطلوباً من الأبوين القيام بمهمة التعليم في مناهج قد لايكونوا يعلمونها، اما بسبب التغيير المتواصل في المناهج، واما بسبب أنهم لم يتعلموا بالأمس ما يتعلمه اولادهم اليوم. ولا عيب في ذلك، فهذه ف الحقيقة هي مهمة المعلم الذي يجب أن يكمل دور الأسرة في تعليم الطفل. والدعوة هنا موجهة إلى مطوري التعليم، لكي يلقوا وراء ظهورهم بالساليب التقليدية، ولا ينكبوا على الأساليب المستوردةن وأن يفتحوا الباب أمام البحث العلمي المتراكم، والذي يركز على الطفل المصري بوجه خاص، والذي يتكون مفهومه وفقاً للمعيارية الإسلامية والعربية والمصرية على الترتيب. وليكن تعليم الطفل نابعاً من الموروثات الثقافية والبيئة التي تحيط به، وليس من بيئة مشوهة أخلاقياً، أو توجيهات تدميرية غربية تصل بنا في النهاية إلى نفس الهاوية التي يهوي فيها التعليم الأميركي الآن. فهل هم منتهون؟

حل الأحجية

المعادلة الأولى: س – 1 = ص + 1

المعادلة الثانية: س + 1 = 2(ص - 1)

الحل: (س ، ص) تساويان (7 ، 5)

قانون الطوارئ : تهذيب وإصلاح

لم تعد هناك حاجة إلى قوانين جديدة من أجل الإصلاح، ولكننا بتنا في أمس الحاجة لإصلاح جديد من أجل القوانين. فقد دخلنا مرحلة الفورة النهائية التي توشك أن تعصف بالنظام بكامله، وبكل ما يحمل من إرث الثورة المزيف.


ولم نعد ننتظر أن يغير النظام من أسلوب إدارته للبلاد، فليس معقولاً أن يكون هناك تغيير ذاتي يصل لنسبة المائة بالمائة. فكل ما يصدر عن النظام الحالي هو سلسلة متصلة من الأخطاء التي تؤدي إلى نتائج كارثية، سواء على المدى القصير أم البعيد. وحتى إن تاب النظام وأناب، فإن مستوى الكفاءة القيادية لا يبشر بأن في مقدوره حتى أن ينتج قرارات مفيدة تخرج البلد من سقوطها المدوي، وتعيد للمصريين كرامتهم المسلوبة، سواء بأيدي الفساد أم بأيدي خارجية، وسواء في داخل البلاد أم خارجها. فالكل مهان ولا يعوض ذلك أي تغيير محتمل، إلا أن يكون التغيير شاملاً كاملاً، من أعلى نقطة إلى إدنى نقطة في النظام الإداري برمته.

إن البحث وراء إلغاء قانون الطوارئ لهو تضييع للوقت والجهد، وأمل في تغيير محدود لا يشبع قناعة الشعب الذي ينتظر قيادة حقيقية وليس مجموعة من المنتفعين ورجال الأعمال. ولقد تفشت عوامل الفساد وانتشرت في جسد الحزب الحاكم حتى أصبح عنواناً لكل ما يصيب المواطن المصري من مصائب في الداخل والخارج. وليس أفدح من أن يصوت الحزب الحاكم لمد ذلك القانون المذل الرخيص. إن شعب مصر لا يقبل الوصاية الجبرية التي يفرضها نظام يفتقر إلى كل عناصر القيادة السليمة. تلك الوصاية التي تضطهد كل بادرة لقوى الإصلاح، حتى أصبح المصلحون الموجودون خارج السجون يقاربون معشار من تواريهم السجون، سواء المسجل منهم بقائمة المسجونين أم المخطوفين المدفونين تحت الأرض في أوضاع ليس لها جماعات حقوق الإنسان ولا حتى الحيوان.

إننا نعيش عصراً من الإستعباد وليس ذلك إلا عنوان لقصة الإبادة الشعبية التي تقترف سطورها قوى خارجية وتمليها إملاءا على النظام بكامل عدته وطول صفه. إبادة حقيقية لكرامة مصر التاريخية وانتقام يتم تنفيذ بنوده بحجة الدستور والقانون والمحاكم العسكرية ولقمة العيش. إبادة ينتقم فيها اليهود من أسيادهم التاريخيين ويستعبدونهم ويذلونهم بما يسخرون من عناصر غير أمينة تدين بالولاء للدولار، والمنصب، وشهادات التقدير، والشهادات الفخرية، والشهرة، والجوائز الدولية، وساعات من النفاق والمداهنة على فضائيات تانف قوائم الشرفاء مجرد الإقتران باسمائها.

وإننا وبعد ثلاثين عاماً من الحرب مع الصهيونية، وثلاثين عاماً من السلام المصطنع، وبمكابدة نظام يتبجح بالتطبيع مع العدو ولا يحاول حتى التطبيع مع شعبه، ننتظر قيادة تعيد الأمور إلى دفتها الحقيقية، كما ينتظر الشيعة المهدي وربما أقوى. ننتظر قيادة تدين بالولاء للحق والشرعية الإلاهية وليس شرعية الأمم المتحدة على الإسلام، ولا شرعية بوش المترهلة، ولا شرعية من لا يعرفون شرع الله ومنهاجه ويعيثون في الرض فسادا ويقطِّعون أرحامهم. غير أننا لا ننتظر شرعاً جديدا ومعنا شرع الله الوافي الكافي، ولا ننتظر معجزة تخرج من بين أظهرنا وقد ولى زمن المعجزات، ولسنا بحاجة إلى معجزة وفينا أناس لو وُلى أحدهم لعرف الغرب أن للإسلام رجال، وأن الإسلام لا ينقصه أبدا رجال.

وإننا وبعد ثلاثين عاما من الحرب المباشرة وثلاثين عاما من الحرب الخفية، نرفض بقلب رجل واحد كل ما اقترفه حكامنا من مهادنة وتطبيع، ونؤكد بأن فكرة التطبيع نفسها لا تقوم على أساس حقيقي، فالطبيعة لا تجري مجرى السلم بين مسلم وصهيوني يحتل أرض الإسلام وينكل بأهلها تنكيلاً. وأن الطبيعي هو العداء الكامل للصهيونية ومن يوالونها، والمعنى الوحيد المقبول للتطبيع هو العودة إلى طبيعة هذا العداء وتفعيل وسائل المقاومة للعدو وتدميره، سواء كان على المستوى الإقليمي أو المستوى الدولي. وأنه لا مكان يصلح لأن يقيم فيه صهيوني ولا يهودي في فلسطين، وأن الذين يقترفون موافقاتهم في حق شبر من الأرض المباركة فلسطين لآثمون. وانه لا فرق بين من يرضى بحدود قرار التقسيم ، وحدود النكبة. وأن أي حدود داخل حدود فلسطين هي اعتراف باطل وتنازل من لا يملك لمن لا يستحق، و لمن لا حق له ولا برهان. وأن القتل والحرق والتدمير لن يشوه حقائق التاريخ، ولن ينسينا أن فلسطين جار لمصر والأردن ولبنان وسوريا، وتطل على البحر الأبيض المتوسط وبها يقع ثاني الحرمين. ففلسطين للفلسطينيين خاصة وللمسلمين عامة، ولا حق ليهودي فيها غير الزيارة لأغراض دينية، كما هو قرار خليفة المسلمين، ولابد أن يرحلوا غير مأسوف عليهم، سواء كانوا من الخزر والأشكيناز الغربيين، أم السفارديم الشرقيين، في فلسطين، أم من الدونمة المتلونين في تركيا وسائر بلاد المسلمين. ولن نقضي إن شاء الله حتى نلقن ذلك لأولادنا ونعلمهم ما يرغب الباغون أن ننساه.

إننا نعرف أن المؤشرات التاريخية كلها تشير إلى أن البداية من مصر، غير أننا لن نتردد أن نتبع الحق أينما كان، وأن سنة الله ومشيئته هي الغالبة. وأن المسلمين قادمون بقدوم الإسلام وعودة الروح إلى المسلمين الذين كانوا كفئران التجارب في القرن الماضي، تجرى عليهم تجارب الفكر الهلامي، و وساوس الدجاجلة الغربيين والمستغربين الشعوبيين. غير ان هذا القرن سيشهد إن شاء الله عودة الدولة الإسلامية، وربما لن ينتصف هذا القرن حتى تسقط كل امبراطوريات الشر وتظهر الدولة الموحدة الإسلامية، شاء ذلك من شاء، وأباه من أبى.

وإن تعجلنا في طلب التغيير ليس قلقاً على مستقبل الإسلام، وإنما رفقاً بهذا الجيل، الذي سلبت كرامته بذلك القانون المغرض لقرابة ثلاثين عاماً، ربما هي أطول فترة احتقان كابدها شعب مصر في تاريخه. وإنه لم يعد هناك مكان يستظل فيه الساكتون الخانعون، بعد أن انكشفت الرؤوس كلها لحرارة الظلم وقيظ القهر، وبعد أن دخل الجوع إلى بطون المصريين. لقد عاد الإقطاع بأسوأ أشكاله، وعاد ابن الباشا في لباس ابن الوزير أو الوزير السابق أو صاحب النفوذ أياً كان نفوذه. وعاد الفلاح يزرع ولا يجني إلا بقدر ما يدفعه للجمعية الزراعية مقابل مبيدات بشرية مسرطنة يدفع فيها من صحته وصحة أولاده أكثر. وهجر البلاد كل من طالت يده تأشيرة هروب إلى الغرب؛ فهو لا يعود إلا وفي جيبه وثيقة تجنس بغير المصرية. وأصبح المصري لا يلقى الإحترام في مطارات مصر إلا إذا أخرج وثيقة التجنس الأجنبية وداس على مصريته وتاريخ بلده، هروباً من كتابة اسمه في قائمة المطحونين والمهانين.

لقد كشف مد قانون هتك الحريات كثيراً مما حرص النظام على ستره، ووضع أمام المصريين سلسلة من البراهين على عدم مصداقية النظام، وأن النظام لا يرى لنفسه وجوداً بغير القهر والظلم. وأن وضع المصريين كلهم عرايا أمام الداخلية والأمن القومي، سوف يلهيهم بالسلامة عن كلمة الحق في وجه النظام الجائر. لكن السجون افضل من الحرية الكاذبة وآمن من السير في ظل نظام قد يتهاوى بنيانه على رؤوس المستظلين به في أية لحظة. والإستعداد للتخلي عن كافة الحقوق البشرية هو أشرف من التخلي عن الأمانة التي عرضها الله على السماوات والأرض فأشفقن منها وحملها الإنسان، وأشرف من التخلي عن الذمم والضمائر، وفوق ذلك كله هي تضحية في سبيل الله من اجل إعلاء كلمة الحق، واتقاء لغضب الله ورجاء رضوانه.

لقد فرط النظام إلى جانب ظلمه للشعب داخليا، في العديد من الحقوق المصرية، بدءا من تعاقب أنظمة الثورة دون حل لمشكلة الألغام القائمة منذ الحرب العالمية الثانية، والتي تزيد عن 32 مليون لغماً في الأراضي المصرية، تحصد أرواح المصريين البدو، الذين لا يلقون أي اهتمام، وتقف عائقاً أمام مشروعات التنمية العملاقة في الصحراء الغربية، وسيناء. بل والتمادي في اقامة علاقات الصداقة مع الدول والكيانات المتورطة في ذلك ( اهمها: ايطاليا و انجلترا و ألمانيا، و الكيان الصهيوني ) دون اكتراث بمصالح المصريين ومشاعرهم. ثم التفريط في حق مصر في استعادة أم الرشراش (ميناء إيلات) على فرض أن الحروب كلها كانت لاستعادة الأراضي المصرية وحدها (رغم أن الحروب بدأت قبل احتلال سيناء وبالتحديد من أجل القضية الفلسطينية)، ثم التخلي عن حقوق الفلسطينيين وحصارهم والتضييق عليهم وجعل دولة فلسطين أمراً محل نقاش والدخول في محادثات غير مبدئية مع العدو والتخلي عن الثوابت التاريخية والحقوق العربية والإسلامية، وسحب مصر إلى منطقة الظل وتحريم الممارسة السياسية على شعب مصر، ثم تضييع حق مصر في أولادها الذين تم اغتيالهم بسحب الطائرة المصرية بالتحكم عن بعد إلى منطقة الإطلاق التلقائي للصواريخ الأميركية كتجربة استعداد لعملية سبتمبر التي نفذتها نفس القوى الصهيونية وألصقتها في الإسلام والمسلمين. ثم الموقف الخسيس من حادثة العبارة التي غرقت في البحر وضاع فيها أكثر من ألف من المصريين، والتكتم عن الناجين الذين لم يعرف أحد مصيرهم بعد. ثم قبول التلاعب الصهيوني بأمن مصر الداخلي وتفجير المجتمع من الداخل وعمليات الإرهاب التي يقومون بها لضرب قطاع السياحة. والتدخل السافر في النظام التعليمي والهجوم على الدين الإسلامي بمختلف الطرق. ثم المحاكمات العسكرية وتزوير إرادة الشعب والكبت والفساد الإداري وسوء التخطيط والرضوخ لكافة الضغوط الخارجية في غير صالح المصريين والعرب والمسلمين على وجه الإجمال. سلسلة طويلة من الظلم وإضاعة حقوق المصريين في الداخل والخارج والإعتداء عليها.. ليس من الممكن أن نتوقع من النظام بعدها خيراً.

وإذا كان النظام قد سد كل الطرق أمام التبديل (وليس التغيير)، فإن شعب مصر المسالم يمكنه بسِلْمه أن يهزم حرب النظام وحزب النظام. فليكن منا الإزدراء والمقاطعة لكل من وقف إلى جانب هتك كرامة مواطنٍ أو سلبه حقاً من حقوقه. ولتكن منا المقاطعة لكل ما يقوي أودة المنتفعين من جور النظام. ولنحرم أنفسنا وأولادنا مما ينتجون ومما يتجرون، خير من أن يمر الباقي من عمر هذا الجيل المطحون، ولم ير بعدُ شمسَ الحرية، وعبق الكرامة، ورغد العيش. قاطعوهم كما قاطَعوا كلام الله وجعلوه وراء ظهورهم واتخَذوا من دونه شرعاً مَعيباً ما أنزل الله به من سلطان. قاطعوهم بالقول والفعل كما قاطع الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأتقياء، مَن رضوا أن يكونوا من المُخَلَّفين. لا تأكلوا معهم ولا تنكحوا بناتهم ولا تزوجوهم بناتكم، ولا تدعوا لهم، ولا تخالطوهم ما داموا ينصرون من خذل المسلمين.

حاصروهم حصاركم لمن أصابه الجرب وتخشون مخالطته. وانتم تعرفونهم. إنهم لا ينكرون منكرا، وإنهم ليقولون منكرا من القول وزوراً. فإن جاءكم من هتك عِرض مسلم فلا تخالطوه ولا تطمعوا فيما عنده من سلطة وجاه. ولا تعجبكم اموالهم ولا أولادهم. وإن البركة فيما عند الله، وما عند الله خير للذين يتقون. فاتقوا الله يا أولي الألباب. واذكروا قول الله تعالى "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقَوا، لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض". فكيف تتقون الله وتخافونه، وأنتم لا تنهون عن المنكر، وتقبلون مخالطة من يظلم الناس ويعيث في الأرض فساداً، ولا يرعى حرمة لمسلم ولا حقاً لخالقه.

إن حربنا مع الظلم والفساد تحتاج إلى حكمة وفقه، وليس إلى التحسر أوالعنف والسباب. تحتاج إلى مراجعة سلوك الصحابة رضوان الله عليهم؛ فليس من حقنا الخروج على الحاكم، ولكن من حقنا ألا نأكل إلا طيباً، وألا نخالط إلا طيباً، وألا ننكح ونزوج إلا طيباً. فلو قاطع الناس مثلاً من التلفاز ما هو غث رديء، لما وجدت تلك القنوات من ينفق عليها ولأقفلت أو تبدلت إلى الطيب. ولو قاطع الناس من المرسح والسينما ما هو غث ردىء، لما وجدت من يمولها على الحرام ولاضطر المنتجون إلى إنتاج المادة الإعلامية الراقية ذات الدلالة والمفهوم. ولو قاطعنا كل منتج شارك منتجه في الفساد أو الإفساد، سواء كان من المسلمين أو غير المسلمين لتاب وأناب، أو ترك السوق لمن هو خير. ولو قاطعنا امتحان مادة تعليمية يصب فيها الحاقدون سمومهم، لاضطر القائمون على الأمر إلى حذفها رغم أنوفهم. نحن لسنا بحاجة إلى العنف، ولكن الجماعة.

الجماعة التي تلتقي على أمر الله وليس على أقوال المغرضين. والجهاد فريضة، بالسلاح لمن جار على دولة الإسلام، وبالمال لمن جار في دولة الإسلام. وباللسان لإصلاح الناس وكشف المنكر والنهي عنه، والأمر بالمعروف، ثم بالقلب لإعلان البراءة مما يفعل الظالمون والدعاء عليهم، والتفقه في دين الله لبناء القدرة على التمييز التلقائي بين ما هو خير وما هو شر. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.