الاثنين، 17 نوفمبر 2008

ثورة الثالث والعشرين من يوليو .. مائة سنة بلا خلافة

قد لا يكون أحد قد علق على التوافق التاريخي بين الثورة التي جاءت بالعسكريين إلى الحكم في مصر المنكوبة، والتي قامت في سنة 1952، وبين الثورة التي جاءت أيضا بالعسكريين الإتحاديين إلى الحكم أيضا في تركيا المجيدة، وسيطرة اليهود على الحكم في تركيا تحت غطاء بعض الأتراك من جمعيةالإتحاد والترقي الآثمة.


فكلتا الثورتين قامتا في نفس اليوم من نفس الشهر، بفارق 46 سنة مبكرة للثورة الصهيونية المسماة بثورة تركيا الفتاة عام 1908. أي قبل مائة عام من عامنا هذا. فهل سيحتفل الصهاينة بهذه المناسبة أيضاً كما احتفلو منذ أسابيع بمرور ستين عاماً على احتلال الأرض المباركة؟ وماذا سنفعل كمسلمين حيال ذلك؟

إن مصيبة المسلمين الكبرى كانت قد بدأت بنجاح الصهيونية العالمية في القضاء على الخلافة الإسلامية، التي استمرت ما يقرب من ثلاث عشرة قرنا من الزمان ( من 661 إلى 1908)، لم تنقطع فيها إلا في فترة وجيزة أبان الهجمة المغولية المتوحشة التي تشبه إلى حد كبير الهجمة الأميركية المعاصرة على بغداد. وقد تمكن المغول -بفرقة المسلمين واختلافهم- من القضاء على الخليفة العباسي أبو أحمد "المستعصم بالله" عبد الله بن منصور المستنصر (1213-1258) الخليفة السابع وثلاثين من الخلافة العباسية، و آخر خليفة عباسي في بغداد . ولقد قام المماليك بحماية الخلفاء التالين للمستعصم، وقد كانوا خلفاء ظل، أقاموا بالقاهرة تحت رعاية السلطان المملوكي وعلى عينه، فقد سقطت الخلافة بمقتل المستعصم بالله، الذي لم يتمتع نفسه بمقومات الخلافة الحقيقية وبسطتها، وكان يعد بحق خليفة بغداد وليس سائر المسلمين.

ثم عادت الخلافة حقيقية مرة أخري على يد السلطان العثماني سليم الأول الذي أطاح بالصفويين، ثم جمع شمل الدولة الإسلامية مرة أخرى بعد أن أطاح بالسلطان قنصوه الغوري في مرج دابق 1514 ومن بعده بآخر السلاطين المماليك طومان باي في الريدانية 1517، ليجمع تحت سلطانه من الشام والحجاز وفارس ومصر، وأصبح هناك خليفة للمسلمين من جديد، في خلافة لم تنته حتى عام 1908 حينما قامت حركة الإنقلاب الصهيونية التي سميت زوراً بثورة تركيا الفتاة، لتنتهي الخلافة العثمانية وتتحول تركيا قلب الخلافة إلى قلب ينبض بآثام العلمانية الجاحدة، ويُمنع الأذان والحجاب في اسطنبول التي كم دافعت عن الإسلام والمسلمين.

لقد أعاد السلطان سليم الأول راية الخلافة بعد أن هوت لمدة 259 سنة، كانت الخلافة الإسلامية فيها ممزقة بين الصفويين والأتراك والمماليك، ولم يجرؤ المماليك على أخذ راية الخلافة لأنها كانت حتى ذلك الوقت تعتمد على شرف النسب إلى أهل بيت الني صلى الله عليه وسلم، وهو ما كان يفتقده المماليك. حتى كسر السلطان سليم الأول هذه القاعدة، وتسلم الراية من آخر خلفاء الظل الخليفة العباسي المتوكل على الله، الذي كانت خلافته في القاهرة تشبه الحكم البروتوكولي للقصر الملكي في انجلترا حاليا، لا تتعدى مراسم التتويج والتلويح الجماهيري. ظلت الخلافة العثمانية حامية للإسلام طوال 391 وما تضمن من تطور البحرية العثمانية ايام السلطان سليم الاول، وابنه سلــيمان الــقانوني، حيث ساد الاسطول العثماني في البحر الابيض المتوسط والبحر الأسود وبحر مرمرة وبحر ايجه والبـحر الأحمر بفضل بناء اسطول السويس الذي وصل الى اندونيسيا في مقارعة الاوروبيين الطـامعين، واستــطاعت البحرية العثمانية فتح قـبرص من جديد ســنة1570م، ايام السلطان سليم الثاني، الذي حرّر تونس سنة 1574م وطرابلس الغرب من الاحتلال الاسباني.

لم تنجح مائتان وتسع وخمسون سنة في الفت في عضد الإسلام، كما لم تتوقف عملية استعادة الخلافة الحقيقية على العرب وحدهم، فالدين الإسلامي هو الدين الذي ارتضاه الله للعالم، وليس خاصاً بالعرب ولا متوقفاً عليهم. والخلافة الإسلامية وإن مرت في السنوات المائة الغابرة بامتحان قاسِ قد يكون أقسى من الإمتحان الذي مرت به على يد التتار ومن عاونوهم، إلا أن عودتها هذه المرة لن تكون كسابقتها. فهذه المرة قد تأسست قواعد جديدة ستجعل من الإلتفاف حول الخلافة وتطويقها أمر مستحيلاً. فلقد أصبحت هناك خبرة سياسية لدى جماهير الأمة الإسلامية مبنية على تجارب تاريخية حية، ستجعل من اساليب الخداع الغربية المعتادة مجرد محاولات فاشلة تتكسر على أول أعتاب الدولة الإسلامية.

والحقيقة فإن حالنا الآن ليس بأسوأ من الحال الذي تغير على يد الخليفة العثماني الأول. فالشعوب الاسلامية قد دخلت منذ نصف قرن في مرحلة متميزة من عودة الروح الاسلامية والبحث عن الاصول ونبذ الثقافات الوافدة من الغرب بعد اختبار عيوبها. وإن اية تحذيرات من مثالب هذه الثقافات الآثمة لم تكن لتعطي نفس الدرجة من القناعة برفضها بنفس الذي حدث على مستوى التجربة الفعلية، وإن كنا في حقيقة الأمر لآسفين اشد السف على ما حلّ بامتنا من تدهور في العقيدة والاخلاق والتراجع الذي طرا على البعد الإيماني في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرينن وهو ما عبر عنه طثرمومترط الأمة الإسلامية بضياع الخلافة واغتصاب فلسطين.

واليوم ونحن على مشارف ذكرى مئوية أليمة، ليس هناك من مسلم ولا غير مسلم ليرجح استمرار الحال على ما هو عليه من إقصاء لمبدأ الخلافة، ولا يظن أكثر المناهضين للإسلام ولا المدافعون عنه بأن عودة الروح التي شهدتها نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحالي، أنه يمكن أن يتراجع المد الإسلامي مهما كاد له الغرب وتفنن في المكيدة. والدليل على ذلك ليس من الواقع المعاش فحسبن ولا من عودة الكثير من الأوربيين إلى الفطرة وطرح العقائد الفاسدة، ولكن من كتاب الله الكريم الذي اشار إلى ذلك قبل أن يحدث باربعة عشر قرناً، وذلك في قوله سبحانه: }إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ {(الأنفال36). إنهم اليوم ليتحسرون على إجرامهم في حق خير البرية وسيد النبياء والمرسلين، والذي ادى إلى دخول فئة غلى الإسلام كنا نظنها من أبعد الناس عنه. لقد أبدل الله إحساس المرارة في قلوب المسلمين لما أصاب اسم نبيهم من تطاول، بانتصار لم يكن أكثر الدعاة تفاؤلاً ليتصور أن يحدث بهذه الروعة. ولقد صدق الله حين قال: } وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ {(الشرح 4).


وفي خطابه الافتتاحي في المؤتمر الصهيوني التاسع، في السادس والعشرين من كانون الأول عام 1909، أعلن ديفيد ولفسون " إننا لانجد أي تعارض بين المصالح العثمانية والطموحات الصهيونية. إن سيادة الدولة التركية قوة عالمية، ورفاهيتها تتناسب كليا مع مسلمات عملنا... إننا نعد دستورها الليبرالي الجديد ضمانة ملائمة لأمننا الشخصي والقومي.
وقد لمس السفير البريطاني جيرارد لاوثر النفوذ اليهودي على أجهزة الحكم الجديد. وبعث برسالة الى وزارة خارجيته جاء فيها " إن لجنة الاتحاد والترقي تبدو في تشكيلها الداخلي تحالفا يهوديا - تركيا مزدوجا، فالأتراك يمدونها بالمادة العسكرية الفاخرة، ويمدها اليهود بالعقل المدبر والمال، وبالنفوذ الصحفي في أوربا... إن اليهود الآن في موقف الملهم والمسيطر على الجهاز الداخلي للدولة.
وقد شخص الأتراك عامة" الدور الكبير لليهود في الحركة، حتى إن بعضهم لم يتردد في التصريح إن كل يهودي يبدو جاسوسا ممكنا للجمعية السرية. وشاعالقول آنذاك إن الحركة إنما هي ثورة يهودية أكثر منها تركية. اذإن الكل يعلم إن مركز ذلك الانقلاب إنما كان في سلانيك، واليهود فيها نيف وسبعون ألفا.

ما هو عمل هذا اليهودي في مقام الخلافة ؟ بأي قصد جئتم بهذا الرجل أماميا ؟ كيف تتركون هذا اليهودي المأفون يمثل الأمـة الإسلامية ؟ ألا يـوجد بـين المسلمين احـد يقـول لخليفة المسلمين لقد عزلتك الأمـة ؟ أأنتم تعملون الانقلاب أم اليهود؟" وتهدج صوته وهو يوجه آخر كلماته الى قره صو:"عندما جئت تطلب مني أن أعطيكم فلسطين وطنا لليهود وطردتك، قلت لك انك تنظر إلي كمن سيحاسبني في يوم من الأيام... لقد هيأوا لك ذلك اليوم، أعرف هذا جيدا، انه رد على طلب شبر ارض لم أعطه لكم... لن أترككم تحلمون بأن تجعلوا كل الوطن الإسلامي أرضا يهودية".

وتأتي وأهمية الإشارة الى هذا اليهودي العثماني، انه حاول في مرة سابقة (في عام 1901) التوسط للصهاينة لدى السلطان عبد الحميد لينقل له مطالبهم في فلسطين، مقابل عشرين مليونليرة ذهبية قرضا الى الحكومة العثمانية، وخمسة ملايين ليرة ذهبية رشوة للسلطان. وقوبل طلبه برد عنيف من جانب السلطان مشفوعا بطرده من القصر. وعندما توجه قره صو الى ايطاليا (التي يحمل جنسيتها الى جانب الجنسية العثمانية) أرسل الى السلطان برقية قال فيها:"لقد رفضت عرضنا... وسيكلفك هذا الرفض أنت شخصيا ويكلف مملكتك كثيرا". ولهذا لم يكن مصادفة إختيار الإتحاديين لذلك اليهودي عضوا في الوفد المكلف بإبلاغ السلطان عبد الحميد نبأ عزله.

ليست هناك تعليقات: