الاثنين، 17 نوفمبر 2008

الإعلام '' الصوت - مرئي ''.... حقق للغرب، مالم يحققه الاحتلال

يقول المولى عزَّ وجَلّ : "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ" (النور/19)

وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (من دعا الى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً).



لا جرم اننا نعيش في عصر الإنحطاط الأخلاقي بكل المقاييس، حين تندنس فطرتنا بكل هذا الكم من التداخلات الإعلامية المفتقرة إلى مبادئ الدين الحنيف، وشيم الأخلاق، والمتعارضة مع العرف الشعبي التقليدي، وحتى المسمى غلطاً بالمتحرر.

وإنه كلما أسدى كاتب من الكتاب، القليل من النصح ولو على استحياء إلى المجتمع بمبارزة هذه التوجهات الإفسادية الضلالية، خرج إليه أرباب الفساد والإفساد بكل ما لديهم من فتن، واستقبلوا كلامه بكل ما بخيالهم المريض من تصويرات حسية بهيمية، واقعدوا له كل مرصد. وإذا ما تفيهق أحد مدَّعي الثقافة بما ينال حظوتهم ويشبع بعضاً من غريزتهم، قاموا إليه على قلب رجل واحد يدعون له ويروجون على أنه الفذ الملهم، والعبقري الذي لا يُشقُّ له غبار. وأبناؤنا فيما بين ذلك وذاك، حائرون، تتقاذفهم أمواج الضلال والإضلال، ويقعون تارة في المعاصي وتارة أخرى في تأنيب الضمير. حتى إذا طال عليهم الأمد، قست قلوبهم وضُرب على قلوبهم بالران فلا يسمعون ولا يعقلون.

لماذا كل ذلك؟ أهو بسبب "فيلم" لا تتعدى مدته الساعتين، يعيشون فيه مع النظر إلى ما حرَّم الله، ويستمعون فيه إلى الخبيث من القول؟ أم تموت قلوبهم من كثرة الضحك على سفاسف الفكر التي تقلب أوراقها أمام ناظريهم على خشبة المرسحن يتعلمون في محاضراته المطولة بالساعات، أكثر الألفاظ تدنياً وسوقية؟ أم هو بسبب "مسلسل" يومي ينسى الناس فيه مواقيت الصلاة ويضعون أصابعهم في آذانهم، ويستغشون ثيابهم، كي لا تؤرقهم ضمائرهم لما تركوا من طاعات وأسرفوا في طلب المعصي وفعل الموبقات.

ناهيكم عن الممنوعات، التي لا يقبلها امرؤ ذو مروءة في بيته ولا يرضاها لأهله وبنيه خارج بيته، مما غدا بعض الشباب الذي فقد طريق الحق القويم، يسمونها عبثاً: "الأفلام" الثقافية. وكأن مقارعة المنكر ومزاولة الحرام درب من دروب الثقافة والمعرفة الواجبة لكل إنسان. إن هذا لهو من أصداء النداءات المتكررة لمخربي الفكر الغربيين الذين يطالبون بأن تصبح مواد الإباحية متاحة ومباحة لكل شاب وفتاة، بل لكل طفل ومراهق دون تفريق، وهي محرمة أساساً حتى على الشيخ المسن وليس فقط الرجل الشديد.

إن فساد السينما والتلفاز والمرسح، لهو من جراء السكوت على فساد النظام الحاكم برمته. فلو لم يكن الراعي فاسداً لما فسدت الرعية، ولو لم تكن هناك حكومات علمانية مجافية للدين ومنكرة للشرع الرباني، ومعرقلة لتطبيق شرع الله الذي شرع لعباده في الأرض، لما ظهر الفساد في البر والبحر، ولما تجرأ أهل الفساد حتى أصبح المتقون في فتنة وعذاب.

إن التربية وحدها لن تكون كافية لإعداد جيل يخدم مصالح الأمة ويدافع عن كيان الإسلام والمسلمين، ويقدر على أن يتحمل مسئوليته التاريخية في حمل مشعل الحضارة إلى الأجيال التي تليه، في ظل نظام يتهاون في حق الله ويضطهد الداعين إلى الله بكافة السبل ويفتح ابواق الإعلام وقنواته ليل نهار تصب المعاصي في آذان وعيون وقلوب الرعية، دون حشمة ولا خجل ولا تقوى لله القادر على أن ينزل بهم غضبه ونقمته في طرفة عين. وما هم بمعجزين في الأرض، وما لهم من دون الله من وليٍّ ولا نصير.

لقد اشرأبت أعناق المفسدين ووصلت هامهم أعلى من ناطحات السحاب، في أعمال لا يبغون من ورائها غير الإفساد وطلب الشهرة والمال الحرام. فترى منهم من يسارع بماله في إنتاج "أفلام" ساقطة من الوجهة الأخلاقية، تظهر فيها النساء عارات أو شبه عاريات، بل تظهر فيها أوضاع فاحشة بينة مبينة، لا تشك فيها العين ولا تخطئوها عين المراهق الذي يسعى وراء إشباع شهواته في ظل نظام حكمٍ فاسد أدى فساده إلى وجود أكثر من خمسة ملايين فتاة عانس وأكثر من ذلك العاطلين من الشباب. إنه النظام الذي غرر بالمرأة حتى خرجت من بيتها إلى الشارع، فأصبحت الواحدة منهن تقضي خارج بيتها أكثر مما تقضيه في كنف زوجها وعلى عينه. وأصبح زميل العمل يصاحبها في عملها فترة أطول من مصاحبتها لزوجها في بيته، ما حذفت فترة النوم الطبيعي للإنسان الطبيعي.

إنه الفساد الذي يأتي بالمفسدات الفاسدات من النساء لينصب منهن أئمة للضلال والإضلال، ثم يدفع بهن ليعظن نساء المسلمين ويقدمن لهن النصح الفاسد، ويحرضونهن على أزواجهن ويخربن بيوتهن بأيديهنن دون أية مراعاة لحرمة البيت الإسلامي، وحق الله على البشر. وإذا ما حاول النصح من يخاف الله ويتقه، ضيقوا عليه وسدوا في وجهه الطرق وطاردوه وطردوه وأغروا به سفهاءهم من الذين لا يعقلون كثيراً مما يقولون.

وباختراع ما أسموه بالنقد الفني، أصبح لكل من النابحين منهم مصطلحاته الخاصة التي تتعالى فوق ثقافة الجمهور، والتي يصفها إلى جانب بعضها، مدعياً العلم ببعض ما لا يعلم الآخرون، ويعضد موقفه في ذلك جوائز الصهيونية التي تتناثر فوق رؤوسهم ليوهموا العامة من الشعب بأنهم هم المثقفون، وأن ما دون ذلك فهم رعاع وجهلاء، أو متطرفون ومتشددون. وذلك على الرغم من أن مصطلحاتهم نفسها تدينهم، وتصل بالباحث في أمرهم إلى عكس ما يصلون إليه تماماً. ولنأخذ مثالاً لذلك في جائزة نوبل التي نالها المصري الراحل نجيب محفوظ.

لم ينل نجيب محفوظ في مستهل حياته من الإهتمام ما يشير إلى تفرده بقدرة أدبية مميزة. ولم يشد انتباه الأبواق التي سبحت بحمده فيما بعد إلا بعد أن كتب ثلاثيته الشهيرة ورواية " اولاد حارتنا". ولم يسمح له بنشر الأخيرة كاملة، وهو قد تطاول فيها على الذات الإلاهية، وتلك الفرية قد باء بها كل من كانت كتاباتهم عبارة عن سفاسف وتخريصات. ويكفي في ذلك أنه ما نال الجائزة المشبوهة إلا بسبب الثلاثية التي استخدم فيها الرمزية لسب الرسول في عرضه، وذلك باستخدام أسماء أمهات المؤمنين والسيدة مريم العذراء وبنات الرسول، رضي الله عنهن أجمعين، للدلالة على شخصيات رواياته الثلاث المشبوهة. ولم تحظ هذه الثلاثية باهتمام النقاد، حتى نهاية الخمسينات، حين كف لفترة عن الكتابة، وتأثر بالأفكار والوجودية الهدامة. وفي فترة ابتعاده عن الكتابة تزوج سراً لمدة عشر سنوات قبل أن يتضح أمر زواجه. وفي هذه الفترة وبالتحديد في عام 1959 بدأ في نشر رواية أولاد حارتنا التي صدمت المجتمع بما فيها من تطاول على الله. حيث رمز لله باسم "الجبلاوي" وجعل نهايته الموت- تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا.

وكانت الثلاثية هي أسوأ ما كتبه مصري عن شعب مصر، واستحقت بجدارة أكثر جوائز العالم شبهة وهي جائزة نوبل السويدية للأدب. فلقد وجد من يحتضن سفاسفه أخيراً. والذي ينظر إلى تلك المجموعة، أو الثلاثية- والتي حولت بالطبع إلى ثلاثة " أفلام" طويلة ومملة، سيلاحظ بوضوح: عدم توافر الإتساق الأدبي للشخصية المحورية، "سي السيد". والذي ظهر في تناقض صريح بين سلوك الشخصية في البيت، وسلوكها في الشارع، وسلوكها في الباطن. فهو يظهر في البيت بسلوك الرجل الشرقي الشديد، الذي لا تفكر أي من بناته فيمجرد النظر من الشباك بعلمه، ويظهر في الشارع بسلوك التاجر المنضبط الذي يمنح الصدقات بينما يختلس اللحظات لتحديد المواعيد مع العاهرات، وفي الليل فهو فاسق ولا يأبه لمعايير الأخلاق والدين. ثم فجأة: فهو ابن البلد الذي يكره الإحتلال ويرغب في زواله.

إن أي ناقد مبتدئ سوف لا يصدق أن مثل هذا الخطأ "الدرامي" يقع فيه كاتب و ينال عنه في يوم من الأيام جائزة عالمية، يزعمون أنها نزيهة.

أما الإصرار على توظيف الغرائز الجنسية في خدمة العمل الدرامي، وسعياً نحو استقطاب أكبر عدد من الجمهور غلى دور السينما ومقاعد المرسح، فهو يدل على أن العامل التجاري لا الأدبي هو الذي يحكم روايات من يتصدرون لكتابة الأعمال الفنية أو تجهيزها لتصبح عملاً من الأعمال الصوتمرئية. وهم يعتمدون في تبرير ذلك على أفكار قديمة ترجع إلى كتابات رائد التحليل النفسي سيجموند فرويد عن القمع البيولوجي من قِبل العناصر الحضارية. وهذه الكتابات التي طورها فيما بعد هربرت ماركوزه (1898-1979) في كتابه "الجنس والحضارة"، والذي جمع فيه ما بين سقطات الماركسية والفرويدية، اللتين اعتبرتا أن العامل الثقافي والديني هو عامل قمع للطبيعة التي تستوجب إطلاق الرغبات البيولوجية الجنسية على مصراعيها. وقالوا بأن وقوف العوامل الحضارية أمام الرغبات هو بمثابة قمع للذة والسعادة التي يجب أن يحظى بها البشر. بل تمادى على محور الماركسية حين جعل هناك فرق بين طبقة العمال والطبقة العليا في الحقوق البيولوجية ولا سيما الجنسية، حيث أباح للطبقة البرجوازية حق التمتع المطلق بالحقوق البيولوجية، في حين حدد هذا الحق بالنسبة لطبقة البروليتاريا فيما لا يتعارض ومصلحة العمل والناتج القومي. ولقد تشرب بعض مشاهير الكتاب بهذه الأفكار سواء وصلت غليهم بشكل مباشر أو غير مباشر، وانعكست في كتاباتهم في صورة عداء لكل ما يمت إلى القيم والمبادء السامية، ولا سيما الإسلامية.

ولقد أصبح واضحاً أن هناك مجموعة غير قليلة من الكتاب أو من يزاولون الكتابة قد رصدت نفسها لدفع المجتمع نحو التحلل من كل القيم والمثل، التي يعتبرونها معوقاً أمام السعادة واللذة. بل وتوظيف هذه الرغبات في خدمة العمل الدرامين حتى بات استنصار العمل الدرامي لأبطال العمل المتحللين أمراً طبيعيا، ومثال ذلك في "فيلم: اللص والكلاب"، وهو عن رواية نجيب محفوظ بنفس الإسم.

ومن الواضح في كتابات نجيب محفوظ- أحد المصادر الأساسية لأفلام مصرية شهيرة- نزوعه إلى السياق الملحمي، وتأثره الشديد بالميثولوجيا اليونانية، دون اعتبار للمحددات الإسلامية والمنطلق الثقافي للجمهور المسلم الذي يتلقى كتاباته في أشكال مختلفة. وتظهر فكرة التعددية المعبودية وعبث الآلهة كظل ملازم لتفكيره الذي صبغ بصبغة وجودية تتعارض بشكل صارخ مع المقررات الإسلامية. ورغم شناعة هذه الأعمال إلا أنه قد وجد من يروج له على أنه مبدع ومتحرر (متحلل)، ويتخطى المحلية بجسر التحلل إلى العالمية. ولم يلق الكثيرون من النقاد بالاً إلى التأثير الطبيعي لجملة الأفكار التي يحملها حكام الأدب العالمي على مصداقية الجوائز والشهادات العالمية من المنظور المحلي والإقليمي، بل ساروا على نهج الغرب في التقدير والتقييم، وانصرفوا بالكلية عن المحددات التطبيقية للأدب الإسلامي والتي أصبحت هي نفسها محددات الأدب العربي منذ أن دان العرب بدين الإسلام.

وتظهر فكرة العبث الإلاهي – تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- في كتابات نجيب محفوظن بل إنه قد تجاسر على إطلاق اسم "عبث الأقدار" على واحدة من رواياته. وافترض عدم وجود الله- تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً- في عدد كبير من رواياته الرمزية الفلسفية مثل رواية "ثرثرة على النيل"، والتي حاول فيها عرض مساوئ المجتمع ومناقشتها من خلال شخصيات غائبة عن الوعي- إقصاء العقل- ثم تدرج في سياق وجودي ليفترض في النهاية غياب الله، وماذا لو لم يكن الله موجوداً. وكان الأحرى به أن يفترض غياب الضمير، حيث تؤدي نفس المعنى المقصود، دون الوقوع في جرم كهذا، غذ لا يصح بحال من الأحوال افتراض غياب الله- سبحانه وتعالى- الذي به يثبت الوجود نفسه، وبحقيقة وجوده تثبت الحقائق الوجودية الأخرى.

كل هذا العبث الفلسفي قام نجيب محفوظ – المغمور- بخلطها بفاتح الشهية المعتاد – الجنس- وصبها في قالب روائي، انبرى بعض المفسدين إلى تحويله إلى "أفلام" و "مسلسلات" و "مرسحيات"، ليقدموا لنجيب محفوظ – الشهرة – والجائزة التي لا يستحقها غيره.

وبتربية أجيال من المسلمين، يعتمدون على أفكار مناوئة للعقيدة الإسلامية، وأفكار مثبطة للعزيمة تعتمد في النجاح على مبدأ "سندريللا"، ومن يوافقه الحظ ويحظى بفرصة العمر، لتتحول حياته البائسة بدون عمل وتضحية ومثابرة وعناء، إلى الشهرة والمجد والثروة الطائلة. وهو ما يتكرر كثيراً في "أفلام" مرحلة من مراحل الضياع التي تتكرر في تاريخ المصريين منذ تغريب المجتمع وإقصاء فكرة الحاكمية لله، وإقصاء الشؤيعة الإسلامية وتغييبها. فنجد السواد الأعظم من الروايات التي كتبت في فترة الخمسينات والستينات، تعتمد على الإنتقال الطبقي، ليس بالعمل والإنجاز والنجاح والتدبير، وإنما بالعتاصر الظاهرية وقصة حب إبن النبلاء لإبنة الصعاليك، ويحدث العكس الآن. وهو مما يوهن عزم الشباب ويدفعهم إلى طلب الإنتقال الطبقي الفجائي، فإذا ما فشل الشاب في ذلك يكون المصير إما عقدة نفسية واكتئاب وإدمان وربما انتحار، وإما التحول إلى الجريمة والسرقة، ويتم ذلك بتبريرات اسقاطية وسخط على المجتمع والنظام الحاكم، وتصوير مثالب النظام الحاكم والمجتمع على أنها هي السبب الوحيد فيما آل إليه حاله. والواقع أنها وإن كانت تتحمل الكثير من ذلك، إلا أن السموم التخريبية التي يتعاطاها الشباب في "السينما" و المرسح، وعلى شاشات التلفاز، تعد أول ما يجب أن يُحاسب عليه النظام الحاكم من انحراف. ويجدر بنا هنا الإشارة إلى عدم تقدير خطورة مركز وزير الإعلام، ووزير الثقافة، وتعلية وزارات أخرى على هذه الوزارات. إن ما يتعلمه المواطن من وسائل الإعلام يفوق بمراحل كثيرة، ما يتعلمه الطالب في المدرسة. والدليل على ذلك في المعرفة بالتاريخ؛ حيث تسكن في ذاكرة الكثير منا القصة "السينيمائية" لبطل تاريخي، أكثر من القصة الواردة في كتب التاريخ. قارن مثلاً قصة "وا إسلاماه" بالقصة الحقيقية للبطل التاريخي السلطان سيف الدين قظز. وهذه القصة قد نفذت على شكل "فيلم" وعلى شكل "مسلسل". ولاحظ الإفراط في التركيز على علاقة الرجل بالمرأة، لا سيما في "الفيلم"، والتجاوزات الصارخة في حق بطل تاريخي. وكثيرة هي الشخصيات التي شوهها الإعلام بسبب الإصرار على إضافة "فاتح الشهية". وتعد شخصية الخليفة العباسي هارون الرشيد من أكثر الشخصيات تشويها كما نعلم.

ولربما أننا قد عرضنا لشخصية نجيب محفوظ على وجه التحديد، إلا أن هناك من كان لهم دور ربما أكبر، في تشويه النسق الأخلاقي للمجتمع المصري والمجتمعات العربية – بوصف الإعلام المصري هو المسيطر على السماء العربية الإعلامية- وغرس القيم الهابطة ، ونشر المصطلحات السوقية البذيئة والساقطة على ألسنة الجماهير العربية مما أثر بشكل كبير على المستوى الأدبي والحسي للجماهير العربية. بل إن هناك من كتاب الحوار "السيناريو" من ينزلون إلى الأماكن العشوائية وينتقون أقذر الألفاظ وأكثرها سوقية، ليضعوها على ألسنة أبطال "أفلامهم" و مسلسلاتهم، فهم يتشدقون بها وكأنهم اكتشفوا ثقافة عليا أو مثالاً يحتذى به – ولله المثل الأعلى في الماوات والأرض- ونسوا أن الدين الإسلامي الحنيف، هو دين آداب عليا وأخلاق سامية، وأن الله لا يرضى الفحش من القول، وأن المسلم ليس بلعَّان، وأنه ما ينطق من قولٍ إلا لديه رقيب عتيد، وأن الكلمة الطيبة صدقة، وأن هناك فرقاً فارقاً ما بين الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة. بل هم يفخرون بأن يردد بعض الدهماء مصطلحاتهم الغوغائية. ولكم في مجموعة "أفلام" محمد سعد (الليمبي) اسوة سيئة، ومثالاً شائناً، ونماذج كارثية من الألفاظ التي يفاجئونا بها أولادنا- بل وبعض البالغين اليافعين من رجالنا ونسائنا. ولا أدري لماذا تم اختيار اسم "الليمبي" هذا بالذات، وهو لا يذكرنا إلا بأحط شخصيات التاريخ، والذي لعب دور الفتنة بين العرب والترك، مما كان سبباً في سقوط الخلافة الإسلامية، وهو " اللورد اللينبي" الذي تمكن من هزيمة الجيش الإسلامي التركي عام 1917 و احتلال القدس وقولته المشهورة "الآن انتهت الحروب الصليبية". وبعد أن كانت تحرق في بورسعيد دمى لقادة الإحتلال الإنجليزي للأمة العربية، وكانت دمية اللينبي في مقدمتها، فاليوم اللينبي شخصية مضحكة، وشر البلية ما يضحك. وكأننا نحتفل به ونخلد ذكراه، فضلاً عن جسر في فلسطين يحمل اسمه ويمجده.

هذه لقطة "سينيمائية " أو "تليفيزيونية" من الإقصاء التاريخي الذي تصر وسائل الإعلام على تكريسه وتوسيع دائرته بقوة. ونحن وإن عرضنا لنجيب محفوظ فلسوف يكون علينا أن نعرض لآخرين مثل إحسان عبدالقدوس، ويوسف السباعي وغيرهم. وأشد من ذلك خطراً المخرجون الذين ينتقون الروايات، ويحولونها إلى صور حية، وكتاب السيناريو الذين يضيفون إليها من الفسق والمجون ما يجعلها أكثر فساداً وإفساداًن وقبل ذلك نظم الحكم المريضة التي تريد أن تلهي شعوبها عن الحقائق الثابتة لجرائمها وسرقتها الدائمة للبلاد، والإفقار المتعمد للجماهير، وتهميش الريادة الإسلامية، وتزييف إرادة الشعوب المسلمة. إنها قضية شائكة للغاية، وهي مقدمة على العديد من القضايا التي قد لا يغني الخوض فيها فتيلاً. أما قضيتنا هذه، فهي قضية إيقاظ المروءة التي يبدو دورها وقد خبا وراء ذلك الكم الهائل من الجدل الأخلاقي. وكان الإنسان أكثر شيئ جدلاً. وإن يعلم الناس أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة على المسلم، ولا يكفيه أن يغلق عليه بابه. وصدق الله تعالى حين يقول: "وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ".

ليست هناك تعليقات: