الاثنين، 17 نوفمبر 2008

أنا مصري..إذا أنا مكتئب - عندما كف المصريون عن الضحك

في خبرٍ عارضٍ قرأنا وقرأ الجميع معنا أن هناك ثلاثة ملايين طفلٍ مصري مصابون بالإكتئاب. وأرجع التقرير الذي أشار إلى ذلك السبب إلى انتقال المسئولية في تدليل الطفل إلى من لا يقومون بتدليله مثلما كانت الأم تفعل. وذلك حينما ينتقل إلى مرحلة التعليم. والواقع أن ذلك سبب غير أساسي، فنحن قد مررنا بذلك ولم نكتئب. ولكن هناك أسباب حقيقية وراء ذلك لابد من دراستها. فما هي يا تُرى تلك الأسباب؟


إن طفلاً لا يجد في وجه أبويه ابتسامة الرضا والصفاء، لن يكون بوسعه أن يتعلم كيف يبتسم. وسوف يكون من الصعب عليه أن يخلق أسبابه الخاصة للإبتسام. وبالتتالي فإن الحالة النفسية التي يعيشها المصريون، وارتفاع مستوى القلق وعدم التأكد، والخوف النابع من سقوط قناع النظام وافتضاح ممارساته منذ أن دخل إلى قاعة المجلس صاحب قراره من يتولى كشف المستور من خفايا الآمر والمأمور وعبدالمأمور. ومن القانون الجاثم على قلب الجيل الذي لم يشهد بعيني رأسه يوماً يتمتع فيه بالحرية، ويفخر فيه بسمعته الزهية، وأنه ليس من المشبوهين ولا من المُهانين.
والحقيقة أن هؤلاء الأطفال المكتئبين هم أولاد جيل الطوارئ؛ الذي تخطى الثلاثين عاماً لم ترفع عنه تلك الحالة إلا شكلياً في الستة شهور السابقة لإغتيال الرئيس السابق. ولو افترضنا أن الطفل قد يبدأ في تمييز ما حوله من معطيات في سن مبكرة مثل سبع سنوات، وتبدأ مسئوليته الشرعية عند عشر سنواتن يكون هناك جيل في سن يقارب الأربعين سنة قد فتح عينيه ليجد قانون استباحة الحريات ذلك، ولم يتسن له أن يرى غير شعاع أمل من نافذة ضيقة لوعودٍ كاذبة لم تلبث أن تبخرت كما يتبخر كل حلم جميل في بلدنا المسكين. وحيث يعتبر المكتئبون أكثرهم في السابعة (سن الإلتحاق بالتعليم)، فإن آباءهم ينتمون إلى جيل الطوارئ، وهو ما لا يمكن تخطيه وما عزف التقرير عن الإشارة إليه.
ولعلك أن ترى وجوه الناس في الشوارع، وتغير مصطلحات الحوار بينهم، من المودة الشديدة والقرب إلى الإبتعاد وفقدان الثقة بالآخر والميل نحو الوجوم والكآبة. فإذا أضفنا إلى ذلك متاعب العمل غير المجدي، ومتطلبات العيش التي تفوق سائر الموارد، فلسوف نطَّلع على صورة قاتمة جداً لرب البيت الذي لن يكون في مقدوره رسم ابتسامة وهمية على قسمات وجهه حين يدخل البيت ويتلقفه أولاده. وأنى له ذلك وهو يعود وليس في يده ما يسعد به أولاده وتقرُّ به عين زوجه؟ وأما الأمان فقد أطاحت به ممارسات قوى الأمن الشنيعة التى يندى لها جبين الحكم لو كان ممن يستحون.
وليس السبب فقط هو كآبة وجه الآباء، وإنما الأجداد ايضاً، الذين تنحوا عن دورهم الطبيعي بسبب الخوف على مستقبل أولادهم. ذلك الخوف الذي دفعهم إلى الإستسلام لعمليات التجهيل التي تعرض لها أبناؤهم على مدى عمرهم، والعصف الفكري والإقصاء الذي بلغ أقصى مدى يمكن أن يُبتلى به شعب في تاريخه.
ولعل ما يحدث لشعبنا العظيم لهو من مفارقات الزمن، ويشبه إلى حد كبير ما أشارت إليه زائيف كوهين (مؤسسة الأبارتيد الصهيوني)، حين قالت (أخشى أن أحدا في المخابرات يمكنه أن يطلق رصاصة، ويبدو وكأن مستوطنا أطلقها، وعندها تكون شرعية للاشتباه في كل المستوطنين والتصرف تجاههم بقوة). وهذا هو ما يحدث للشعب المصري بكامله، حيث يؤخذ الشعب بكامله قيد الإشتباه بجريرة عناصر محدودة وعمليات تشير اصابع الإتهام فيها بصراحة إلى العدو الصهيوني. ومن المعروف أن نظام الأبارتيد(الأبارتاهيد) هو نظام عنصري يفرق بين حقوق البيض الذين احتلوا البلاد في جنوب أفريقيا وبين حقوق السود السكان الأصليين، وتم تشريعة وأصبح قانونا تؤخذ به الرقاب في فترة من أسود فترات الشعب الأفريقي. ويبدو أن هذا الفصل أصبح واقعاً في مصر للتفرقة بين حزب المحاسيب ومن يواليه، وجماعة الإخوان المسلمين ومن يواليها، فيما تلاشت اشكال المعارضة التقليدية القديمة وانحسرت في مطبوعات شكلية لا تسمن ولا تغني من جوع. ونحن إذ نعيش في هذه الحقبة السوداء من تاريخ مصر، نشاهد بأعيننا قانون الأبارتيد المصري الذي لم يقتصر على فقراته الأمنية (فرع الطوارئ مستشفى المعارضة)، وإنما فقرات أخرى أشد وأنكى، تتمثل في توسيع نطاق الممارسة الأمنية حتى في التوظيف وحرية تربية النشء وتقويمه، وحتى في حرية ترك البلد والهجرة في أرض الله الواسعة.
هل تبقى هنالك من سبب يجعل ابتسام الآباء أمراً متاحاً؟ حتى وإن تبقى، فإن الغلاء الذي أفقد الأسرة المصرية توازنها، وأخرج الفئة الكامنة عن صمتها، وأصاب الأمن الغذائي للأسرة في مقتل، قد أطاح بإمكانية الضحك والإبتسام، وأصبحت الفكاهة أمراً باهتاً وكل النكات يقال لها "قديمة". فالغلاء قد جعل من عملية الترفيه للطفل أمراً ثانوياً لا يحدث إلا بشكلٍ عفوي وفي لحظات ينسى فيها الأبوان غيامة الحكم الراهن واحتمال أن يرِد الإنسان السجن لسبب قد لا يعرفه ولجرم كان من الأشياء التقليدية في يوم من الأيام (مثل خفاض الإناث، وربما ختان الذكور أيضاً). وإن تبجح النظام لهذه الدرجة والتدخل في صميم التقاليد المصرية والتشريعات السماوية لتغيير مجراها لهُو من قبيل الرقص على حافة الهاوية لنظامٍ متخبطس سكران، لا يدري خطورة التعاطي مع مفردات شعبٍ أصيل كهذا، ومحاولة طمس أبعاده وتغيير تضاريس اجتماعية لم يفلح في تغييرها نظام في تاريخ مصر إلا الإسلام الذي فض عرى الضلال وقوى رباط الحق ووثق عراه. وليس الحزب الحاكم ولا ألف حزب مثله ليقدر على تحدي تلك الإرادة الشعبية التي تقوت بشرع الله ومنهاج النبوة الخالد. وهم إن كانوا يريدون جيلاً منحرفاً، فلن يكون هذا الجيل هو جيل أولادنا ولا جيل أحفادنا، وما كان قد سكت عنه آباؤنا فهو قيد المراجعة، ولا بقاء إلا للأصلح.
وليعلم القاصي قبل الداني، أن الذي يجب أن يكتئب ليس هم أطفالنا، ولكن كل من يعول على النظام القائم ويعتمد عليه من دون الله ويتخذه وليا، كيدا للإسلام وضرارا بالمسلمين. هم الذين يحق لهم أن يكتئبوا، وأن يعضوا الأنامل من الغيظ وأن يموتوا بغيظهم، فدولة الحق ناهضة ودولتهم إلى زوال. وليعلم الذين يتجرأون على الله وينفخون في بوق النفاق والرياء، ويشرعون ما لم ينزل به الله من سلطان، أن شرع الله فوق ما مضى وما هو آت، وما هم بمعجزين لله، وأن الله شديد المِحال. وأنهم يحذرون أن يقوم للإسلام رجال يذودون عنه، وأن الله مخرجٌ ما يحذرون. ويظنون أنهم مانعتهم حصونهم من الله، ولكن الله قادر على أن يفتنهم فلا ينتصرون. وما الله بغائب عما يفعل المجرمون.

ليست هناك تعليقات: