الاثنين، 17 نوفمبر 2008

أحلم بأن أكون رئيساَ للجمهورية

ما تعرض شعب قط لمثل هذه الإنتهاكات المتتابعة دون أن يكون هناك عاصفة تغيير تابعة لمثل هذا الخمود. والحقيقة ان العالم كله يرقب بعين الإهتمام تطور الأحداث على أرض الكنانة. فلقد بدا واضحا للعيان أن ذلك الترهل السياسي والتخمة التي يعاني منها النظام الحاكم ويحاول جاهدا أن ينقص من وزنه وينهض في مجابهة القوى الفتية التي تتهدده في الداخل، والقوى المغرضة التي تسعى لنهش كفنه قبيل موته كيما يُدفن عرياناً مفضوحاً، في محاولة منها للتقرب من القوى الجديدة التي بدأت تعزف معزوفة النصر من خلف أسوار السجون.


إن النظام في مصر قد فقد مصداقيته تماماص وللمرة الأولى منذ الثورة المشوهة في يوليو 1952. فاليوم ينظر الناظر فيجد نظاماً يكرهه شعبه بكل المقاييس، ويعلم أنه أصبح لا جدوى منه ولا أمل يُرجى فيه. فقد شاخ النظام بأسره وتفككت مؤسسات انضباطه وأصبح أقرب ما يكون من الفوضى الهدامة. بل إن التظام قد فقد القدرة على التفكير في إحداث تغيير حقيقي يستر به عورته التي باتت مكشوفة تماماً بلا حياء أو خفاء. ولم يصل نظام قط إلى مثل هذا الترهل في أي مكان في العالم إلا وسقط من أهون نفخة. النظام عادة ما يعتمد في قوته على القانون الذي يعكس العرف ويترجم مرجعية الشعب ويتمتع بالمصداقية والإحترام. ويظل النظام في منأى عن التهديد أو الزوال ما دام مستخدماً للقانون وراعياً له، حيث القانون هو الترجمة الحقيقية للعقد الإجتماعي الذي يربط بين شرائح المجتمع ويؤكد على تناغم الأطر الثقافية ووحدة الهدف.
بيد أن النظام في مصر قد استنفذ كل أساليب المماطلة السياسية والتلاعب بالقانون حتى وصل إلى مرحلة عدم الإحترام الكامل للقانون والحريات والحقوق المدنية، فسقط من عين الشعب المحافظ والمتحفظ منذ الوهلة الأولى لتكوين نظام الثورة على ما شاب المنظومة القانونية من تشويه جعل من الشريعة الإسلامية مصدرا من مصادر القانون وليس المصدر الوحيد. ومن المعروف أن الشريعة الإسلامية تختلف عن كافة الشرائع الموجودة في القاموس السياسي في كونها غير قابلة للخلط مع شرائع أخرى، فهي شريعة كاملة فوقية لابد أن تتمتع بالسيادة الكاملة، ولا تقبل الدس ولا التدليس. ولقد أفلحت عمليات الزخرفة والتزييف في إظهار الشرائع الأخرى بمظهر براق أغرى البسطاء وساعد في ذلك إقصاء الخاصة والعلماء إلا من يسجد لرغبة الظام ويركع. وبقي أن تثبت التجربة للشعب أنه قد غرر به. والوقائع الحقيقية لا تكذب. وعاش النظام على مدى نصف قرن ويزيد على المداراة والترقيع، حتى أصبح ثوبه عبارة عن رقع متشابكة اختفى فيها كل أثر للثوب الأصلي. فلم يعد هناك فصل بين السلطات الثلاث، ولا حرية للرأى والفكر، وعاد الإحتلال في ثوب جديد وقناع ما لبث أن سقط، وانكشف زيف النظام ووضح تماماً أنه مجرد أداة يتلاعب بها الغرب أنى شاء. إن شعباً كشعب مصر لا يمكن أن يخدعه أحد كل الوقت.
الحزب الوطني اليوم هو تكوين هلامي غير متسق، ولا يرتكز إلى مرجعية ثابتة بعد أن تم على مر السنين عمليات متتابعة من الإضافة والحذف في قاموسه السياسي حتى اختلت مصطلحاته وأصبح مجرد واجهة لشىء لم يحدث أبدا في تاريخ حكومات الثورة المتتابعة، هذا الشىء هو ما أسموه بالديمقراطية. ذلك المصطلح اللقيط الذي أرادوا له أن يحل مكان الشورى فإذا به يهدم كل الأطر السياسية ويستخدم للوصول إلى قناعات لا تمت إلى العدالة السياسية بصلة. هكذا سقط الحزب الوطني فكرياً قبل أن يسقط عند الشعب، الذي لم تتح له الفرصة أبدا ليعبر عن رأيه في ظل حكومات الثورة. إن الشعب المصري لا يتحمل تاريخياً أيا من سقطات النظم الحاكمة وليدة الثورة وأهم نتائج تشويه الإرادة الشعبية. فهو شعبٌ قد تم تغييبه لنصف قرن من الزمان، وها هو يعبر عن سخطه إذ يفيق. ها هو قد بدأ، وها هي مصر تعاني من آلام المخاض، ولعل جنين الحرية أن يحقق للشعب الغاضب المقهور، ما يعيد إليه عزته وكرامته.

ليست هناك تعليقات: