الاثنين، 17 نوفمبر 2008

قانون الطوارئ : تهذيب وإصلاح

لم تعد هناك حاجة إلى قوانين جديدة من أجل الإصلاح، ولكننا بتنا في أمس الحاجة لإصلاح جديد من أجل القوانين. فقد دخلنا مرحلة الفورة النهائية التي توشك أن تعصف بالنظام بكامله، وبكل ما يحمل من إرث الثورة المزيف.


ولم نعد ننتظر أن يغير النظام من أسلوب إدارته للبلاد، فليس معقولاً أن يكون هناك تغيير ذاتي يصل لنسبة المائة بالمائة. فكل ما يصدر عن النظام الحالي هو سلسلة متصلة من الأخطاء التي تؤدي إلى نتائج كارثية، سواء على المدى القصير أم البعيد. وحتى إن تاب النظام وأناب، فإن مستوى الكفاءة القيادية لا يبشر بأن في مقدوره حتى أن ينتج قرارات مفيدة تخرج البلد من سقوطها المدوي، وتعيد للمصريين كرامتهم المسلوبة، سواء بأيدي الفساد أم بأيدي خارجية، وسواء في داخل البلاد أم خارجها. فالكل مهان ولا يعوض ذلك أي تغيير محتمل، إلا أن يكون التغيير شاملاً كاملاً، من أعلى نقطة إلى إدنى نقطة في النظام الإداري برمته.

إن البحث وراء إلغاء قانون الطوارئ لهو تضييع للوقت والجهد، وأمل في تغيير محدود لا يشبع قناعة الشعب الذي ينتظر قيادة حقيقية وليس مجموعة من المنتفعين ورجال الأعمال. ولقد تفشت عوامل الفساد وانتشرت في جسد الحزب الحاكم حتى أصبح عنواناً لكل ما يصيب المواطن المصري من مصائب في الداخل والخارج. وليس أفدح من أن يصوت الحزب الحاكم لمد ذلك القانون المذل الرخيص. إن شعب مصر لا يقبل الوصاية الجبرية التي يفرضها نظام يفتقر إلى كل عناصر القيادة السليمة. تلك الوصاية التي تضطهد كل بادرة لقوى الإصلاح، حتى أصبح المصلحون الموجودون خارج السجون يقاربون معشار من تواريهم السجون، سواء المسجل منهم بقائمة المسجونين أم المخطوفين المدفونين تحت الأرض في أوضاع ليس لها جماعات حقوق الإنسان ولا حتى الحيوان.

إننا نعيش عصراً من الإستعباد وليس ذلك إلا عنوان لقصة الإبادة الشعبية التي تقترف سطورها قوى خارجية وتمليها إملاءا على النظام بكامل عدته وطول صفه. إبادة حقيقية لكرامة مصر التاريخية وانتقام يتم تنفيذ بنوده بحجة الدستور والقانون والمحاكم العسكرية ولقمة العيش. إبادة ينتقم فيها اليهود من أسيادهم التاريخيين ويستعبدونهم ويذلونهم بما يسخرون من عناصر غير أمينة تدين بالولاء للدولار، والمنصب، وشهادات التقدير، والشهادات الفخرية، والشهرة، والجوائز الدولية، وساعات من النفاق والمداهنة على فضائيات تانف قوائم الشرفاء مجرد الإقتران باسمائها.

وإننا وبعد ثلاثين عاماً من الحرب مع الصهيونية، وثلاثين عاماً من السلام المصطنع، وبمكابدة نظام يتبجح بالتطبيع مع العدو ولا يحاول حتى التطبيع مع شعبه، ننتظر قيادة تعيد الأمور إلى دفتها الحقيقية، كما ينتظر الشيعة المهدي وربما أقوى. ننتظر قيادة تدين بالولاء للحق والشرعية الإلاهية وليس شرعية الأمم المتحدة على الإسلام، ولا شرعية بوش المترهلة، ولا شرعية من لا يعرفون شرع الله ومنهاجه ويعيثون في الرض فسادا ويقطِّعون أرحامهم. غير أننا لا ننتظر شرعاً جديدا ومعنا شرع الله الوافي الكافي، ولا ننتظر معجزة تخرج من بين أظهرنا وقد ولى زمن المعجزات، ولسنا بحاجة إلى معجزة وفينا أناس لو وُلى أحدهم لعرف الغرب أن للإسلام رجال، وأن الإسلام لا ينقصه أبدا رجال.

وإننا وبعد ثلاثين عاما من الحرب المباشرة وثلاثين عاما من الحرب الخفية، نرفض بقلب رجل واحد كل ما اقترفه حكامنا من مهادنة وتطبيع، ونؤكد بأن فكرة التطبيع نفسها لا تقوم على أساس حقيقي، فالطبيعة لا تجري مجرى السلم بين مسلم وصهيوني يحتل أرض الإسلام وينكل بأهلها تنكيلاً. وأن الطبيعي هو العداء الكامل للصهيونية ومن يوالونها، والمعنى الوحيد المقبول للتطبيع هو العودة إلى طبيعة هذا العداء وتفعيل وسائل المقاومة للعدو وتدميره، سواء كان على المستوى الإقليمي أو المستوى الدولي. وأنه لا مكان يصلح لأن يقيم فيه صهيوني ولا يهودي في فلسطين، وأن الذين يقترفون موافقاتهم في حق شبر من الأرض المباركة فلسطين لآثمون. وانه لا فرق بين من يرضى بحدود قرار التقسيم ، وحدود النكبة. وأن أي حدود داخل حدود فلسطين هي اعتراف باطل وتنازل من لا يملك لمن لا يستحق، و لمن لا حق له ولا برهان. وأن القتل والحرق والتدمير لن يشوه حقائق التاريخ، ولن ينسينا أن فلسطين جار لمصر والأردن ولبنان وسوريا، وتطل على البحر الأبيض المتوسط وبها يقع ثاني الحرمين. ففلسطين للفلسطينيين خاصة وللمسلمين عامة، ولا حق ليهودي فيها غير الزيارة لأغراض دينية، كما هو قرار خليفة المسلمين، ولابد أن يرحلوا غير مأسوف عليهم، سواء كانوا من الخزر والأشكيناز الغربيين، أم السفارديم الشرقيين، في فلسطين، أم من الدونمة المتلونين في تركيا وسائر بلاد المسلمين. ولن نقضي إن شاء الله حتى نلقن ذلك لأولادنا ونعلمهم ما يرغب الباغون أن ننساه.

إننا نعرف أن المؤشرات التاريخية كلها تشير إلى أن البداية من مصر، غير أننا لن نتردد أن نتبع الحق أينما كان، وأن سنة الله ومشيئته هي الغالبة. وأن المسلمين قادمون بقدوم الإسلام وعودة الروح إلى المسلمين الذين كانوا كفئران التجارب في القرن الماضي، تجرى عليهم تجارب الفكر الهلامي، و وساوس الدجاجلة الغربيين والمستغربين الشعوبيين. غير ان هذا القرن سيشهد إن شاء الله عودة الدولة الإسلامية، وربما لن ينتصف هذا القرن حتى تسقط كل امبراطوريات الشر وتظهر الدولة الموحدة الإسلامية، شاء ذلك من شاء، وأباه من أبى.

وإن تعجلنا في طلب التغيير ليس قلقاً على مستقبل الإسلام، وإنما رفقاً بهذا الجيل، الذي سلبت كرامته بذلك القانون المغرض لقرابة ثلاثين عاماً، ربما هي أطول فترة احتقان كابدها شعب مصر في تاريخه. وإنه لم يعد هناك مكان يستظل فيه الساكتون الخانعون، بعد أن انكشفت الرؤوس كلها لحرارة الظلم وقيظ القهر، وبعد أن دخل الجوع إلى بطون المصريين. لقد عاد الإقطاع بأسوأ أشكاله، وعاد ابن الباشا في لباس ابن الوزير أو الوزير السابق أو صاحب النفوذ أياً كان نفوذه. وعاد الفلاح يزرع ولا يجني إلا بقدر ما يدفعه للجمعية الزراعية مقابل مبيدات بشرية مسرطنة يدفع فيها من صحته وصحة أولاده أكثر. وهجر البلاد كل من طالت يده تأشيرة هروب إلى الغرب؛ فهو لا يعود إلا وفي جيبه وثيقة تجنس بغير المصرية. وأصبح المصري لا يلقى الإحترام في مطارات مصر إلا إذا أخرج وثيقة التجنس الأجنبية وداس على مصريته وتاريخ بلده، هروباً من كتابة اسمه في قائمة المطحونين والمهانين.

لقد كشف مد قانون هتك الحريات كثيراً مما حرص النظام على ستره، ووضع أمام المصريين سلسلة من البراهين على عدم مصداقية النظام، وأن النظام لا يرى لنفسه وجوداً بغير القهر والظلم. وأن وضع المصريين كلهم عرايا أمام الداخلية والأمن القومي، سوف يلهيهم بالسلامة عن كلمة الحق في وجه النظام الجائر. لكن السجون افضل من الحرية الكاذبة وآمن من السير في ظل نظام قد يتهاوى بنيانه على رؤوس المستظلين به في أية لحظة. والإستعداد للتخلي عن كافة الحقوق البشرية هو أشرف من التخلي عن الأمانة التي عرضها الله على السماوات والأرض فأشفقن منها وحملها الإنسان، وأشرف من التخلي عن الذمم والضمائر، وفوق ذلك كله هي تضحية في سبيل الله من اجل إعلاء كلمة الحق، واتقاء لغضب الله ورجاء رضوانه.

لقد فرط النظام إلى جانب ظلمه للشعب داخليا، في العديد من الحقوق المصرية، بدءا من تعاقب أنظمة الثورة دون حل لمشكلة الألغام القائمة منذ الحرب العالمية الثانية، والتي تزيد عن 32 مليون لغماً في الأراضي المصرية، تحصد أرواح المصريين البدو، الذين لا يلقون أي اهتمام، وتقف عائقاً أمام مشروعات التنمية العملاقة في الصحراء الغربية، وسيناء. بل والتمادي في اقامة علاقات الصداقة مع الدول والكيانات المتورطة في ذلك ( اهمها: ايطاليا و انجلترا و ألمانيا، و الكيان الصهيوني ) دون اكتراث بمصالح المصريين ومشاعرهم. ثم التفريط في حق مصر في استعادة أم الرشراش (ميناء إيلات) على فرض أن الحروب كلها كانت لاستعادة الأراضي المصرية وحدها (رغم أن الحروب بدأت قبل احتلال سيناء وبالتحديد من أجل القضية الفلسطينية)، ثم التخلي عن حقوق الفلسطينيين وحصارهم والتضييق عليهم وجعل دولة فلسطين أمراً محل نقاش والدخول في محادثات غير مبدئية مع العدو والتخلي عن الثوابت التاريخية والحقوق العربية والإسلامية، وسحب مصر إلى منطقة الظل وتحريم الممارسة السياسية على شعب مصر، ثم تضييع حق مصر في أولادها الذين تم اغتيالهم بسحب الطائرة المصرية بالتحكم عن بعد إلى منطقة الإطلاق التلقائي للصواريخ الأميركية كتجربة استعداد لعملية سبتمبر التي نفذتها نفس القوى الصهيونية وألصقتها في الإسلام والمسلمين. ثم الموقف الخسيس من حادثة العبارة التي غرقت في البحر وضاع فيها أكثر من ألف من المصريين، والتكتم عن الناجين الذين لم يعرف أحد مصيرهم بعد. ثم قبول التلاعب الصهيوني بأمن مصر الداخلي وتفجير المجتمع من الداخل وعمليات الإرهاب التي يقومون بها لضرب قطاع السياحة. والتدخل السافر في النظام التعليمي والهجوم على الدين الإسلامي بمختلف الطرق. ثم المحاكمات العسكرية وتزوير إرادة الشعب والكبت والفساد الإداري وسوء التخطيط والرضوخ لكافة الضغوط الخارجية في غير صالح المصريين والعرب والمسلمين على وجه الإجمال. سلسلة طويلة من الظلم وإضاعة حقوق المصريين في الداخل والخارج والإعتداء عليها.. ليس من الممكن أن نتوقع من النظام بعدها خيراً.

وإذا كان النظام قد سد كل الطرق أمام التبديل (وليس التغيير)، فإن شعب مصر المسالم يمكنه بسِلْمه أن يهزم حرب النظام وحزب النظام. فليكن منا الإزدراء والمقاطعة لكل من وقف إلى جانب هتك كرامة مواطنٍ أو سلبه حقاً من حقوقه. ولتكن منا المقاطعة لكل ما يقوي أودة المنتفعين من جور النظام. ولنحرم أنفسنا وأولادنا مما ينتجون ومما يتجرون، خير من أن يمر الباقي من عمر هذا الجيل المطحون، ولم ير بعدُ شمسَ الحرية، وعبق الكرامة، ورغد العيش. قاطعوهم كما قاطَعوا كلام الله وجعلوه وراء ظهورهم واتخَذوا من دونه شرعاً مَعيباً ما أنزل الله به من سلطان. قاطعوهم بالقول والفعل كما قاطع الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأتقياء، مَن رضوا أن يكونوا من المُخَلَّفين. لا تأكلوا معهم ولا تنكحوا بناتهم ولا تزوجوهم بناتكم، ولا تدعوا لهم، ولا تخالطوهم ما داموا ينصرون من خذل المسلمين.

حاصروهم حصاركم لمن أصابه الجرب وتخشون مخالطته. وانتم تعرفونهم. إنهم لا ينكرون منكرا، وإنهم ليقولون منكرا من القول وزوراً. فإن جاءكم من هتك عِرض مسلم فلا تخالطوه ولا تطمعوا فيما عنده من سلطة وجاه. ولا تعجبكم اموالهم ولا أولادهم. وإن البركة فيما عند الله، وما عند الله خير للذين يتقون. فاتقوا الله يا أولي الألباب. واذكروا قول الله تعالى "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقَوا، لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض". فكيف تتقون الله وتخافونه، وأنتم لا تنهون عن المنكر، وتقبلون مخالطة من يظلم الناس ويعيث في الأرض فساداً، ولا يرعى حرمة لمسلم ولا حقاً لخالقه.

إن حربنا مع الظلم والفساد تحتاج إلى حكمة وفقه، وليس إلى التحسر أوالعنف والسباب. تحتاج إلى مراجعة سلوك الصحابة رضوان الله عليهم؛ فليس من حقنا الخروج على الحاكم، ولكن من حقنا ألا نأكل إلا طيباً، وألا نخالط إلا طيباً، وألا ننكح ونزوج إلا طيباً. فلو قاطع الناس مثلاً من التلفاز ما هو غث رديء، لما وجدت تلك القنوات من ينفق عليها ولأقفلت أو تبدلت إلى الطيب. ولو قاطع الناس من المرسح والسينما ما هو غث ردىء، لما وجدت من يمولها على الحرام ولاضطر المنتجون إلى إنتاج المادة الإعلامية الراقية ذات الدلالة والمفهوم. ولو قاطعنا كل منتج شارك منتجه في الفساد أو الإفساد، سواء كان من المسلمين أو غير المسلمين لتاب وأناب، أو ترك السوق لمن هو خير. ولو قاطعنا امتحان مادة تعليمية يصب فيها الحاقدون سمومهم، لاضطر القائمون على الأمر إلى حذفها رغم أنوفهم. نحن لسنا بحاجة إلى العنف، ولكن الجماعة.

الجماعة التي تلتقي على أمر الله وليس على أقوال المغرضين. والجهاد فريضة، بالسلاح لمن جار على دولة الإسلام، وبالمال لمن جار في دولة الإسلام. وباللسان لإصلاح الناس وكشف المنكر والنهي عنه، والأمر بالمعروف، ثم بالقلب لإعلان البراءة مما يفعل الظالمون والدعاء عليهم، والتفقه في دين الله لبناء القدرة على التمييز التلقائي بين ما هو خير وما هو شر. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

ليست هناك تعليقات: