الاثنين، 17 نوفمبر 2008

لمصلحة من؟ تشوية التركيبة السياسية للمجتمع المصري

مما لا شك فيه أن "الإخوان المسلمون" لم ينجرفوا يوماً نحو العنف تجاه ايٍّ من العناصر السياسية للوطن، فضلاً عن مواقفهم الواضحة التي تعكس حرصاً على مصالح الوطن والمواطنين، وشمولية النظرة السياسية وعدم التركيز على متغير وإهمال المتغيرات السياسية الأخرى، أو الإنغماس في توجه وغض النظر عن توجه آخر.


كل المتغيرات قيد البحث، واتخاذ القرارات يكون شمولياً ويعتمد على تعددية المصادر وليس الأحادية أو التعصب لجهة دون أخرى. هكذا يشير تاريخ الجماعة بوضوح وشفافية. فهم الجماعة الأحق بأن تُفتح أمامها السدود والمعوقات التي وضعتها النظم الحاكمة المتعاقبة منذ الثورة أمام أي معارضة حقيقية تخرج إلى النور وتصل إلى الجمهور.
فإذا كانت هناك جماعة قد سلكت مسلك العنف، وعرضت المشروع الإسلامي للخطر، ووقفت في معارضة دموية أمام النظام الحاكم، راحت في طريقها أرواح كثيرة منها ما أزهق بغير وجه حق. إذا كان هناك من اتجه إلى حمل السلاح في وجه الحاكم ايا كانت مبرراته، فهل ذلك أولى بأن يقرب ويشمله عطف النظام بعد ما كان؟
لقد دأبت جماعة "الإخوان المسلمون" على تثقيف المجتمع منذ باكورة نشاطها، والتزمت خطاً ثابتاً على مدى تاريخها الحافل، بالسعي إلى إعادة الحقوق المسلوبة للوطن مهما كلفها ذلك، وبالجهاد المباشر ضد الإحتلال دون هوادة، وبالسعي الدؤوب من أجل تحقيق التوافق والوحدة الوطنية، وعدم السماح للقوى الخارجية بالتدخل أو إملاء الشروط السياسية على طائفة باستغلال طائفة أخرى، وهو ما يحدث عادة باستغلال القوى الخارجية للحكام العرب تلويحاً بإطلاق يد القوى الداخلية ودعمها. وهم يزعمون لأنفسهم وجوداً غير حقيقي ومبالغ فيه، من أجل إخافة الحكام والحصول منهم على تنازلات متتالية. جماعة "الإخوان المسلمون" هي جماعة ذات مبادئ واضحة ولا مجال للقوى الخارجية للتعامل معها ضد النظام الحاكم ولا ضد أى أحد، فهي تلتزم بمرجعية ثابتة هي المرجعية الإسلامية الثابتة، التي لا يمكن أن تتفق مع محاولات الغرب المغرضة لتقويض النظم الحاكمة وخلخلتها من أجل تحقيق مساعيها الإحتلالية، وتكريس الإحتلال اللوجيستي.
ليس هناك من يعترض على أن يقوم النظام بالعفو عمن أخطأ وأن يتوسع في العفو وأن يعتمد المصالحة الوطنية، ولكن أن يكون ذلك في ظل قيام النظام بالتعدي على حقوق أكبر قوى المعارضة وسجن الأبرياء بالتلاعب بالسلطة القضائية وإبعادها. إن ذلك ليس غريباً وهو متوقع من نظام ينصت إلى نصيحة الثعلب الغربي والذي يؤكد له كل ساعة بأن عفوه عن المعارضة المسلحة سابقاً هي أفضل طريقة لمواجهة تنامي الإخوان. إنها محاولة محكوم عليها بالفشل، حيث إن نقاط التلاقي بين الإخوان وهذا النوع من المعارضة أكثر من نقاط تلاقي الأخيرة مع النظام. ولا يكاد الإخوان يجدون ما يخالفون تلك المعارضة فيه غير أسلوب المعارضة، والذي يصر الإخوان أن يكون بالمعارضة السلمية والوسائل المشروعة ما كان هناك سبيل إلى ذلك. وإن النظام بهذه الطريقة يكشف الستار عن رغبته في دفع المعارضة السلمية نحو التهور والعنف، وهو ما لن يناله النظام، ولسوف ينال بدلاً منه انتزاع ما تبقى له من شرعية مهتكة، بعد أن قضى تقريباً على أُطُر الشرعية التي هي أساس أي نظام. لقد تمكن الإخوان من الحصول على التفويض الشعبي الذي هو أساس الإعتراف، شاء النظام أم أبَى. وأثبتت الحوادث المتعاقبة أن الإخوان هم أكثر مرونة وحكمة من النظام الذي لم يعد يفكر بغير العصا والكرباج. إن نظاماً لا يعتمد الحوار في التعامل مع غرمائه السياسيين لهُوَ نظامٌ كسيحن لا يُتوقع له الإستمرار كثيراً. وها قد بدأت تحليلات في العالم تتحدث عن بدائل واحتمالات، وأصبحت مصر المعروفة بالإستقرار السياسي تعتبر اليوم إحدى نقاط التوتر البركاني الذي لا يمكن التنبؤ بدقة بموعد انفجاره.
لإن المراهنة على ضرب القوى المعارضة بعضها بالبعض هي نتاج عدم فهم للواقع المعاش، والحكم على الأمور من فوق أبراج العاج دون النزول إلى الشارع واختبار مدى مصداقية النظام لدى الجماهير الغاضبة. وحتى رغم تدني مستويات توزيع الصحف القومية وتزايد مديوناتها، وعزوف جماهير المثقفين عن القنوات الرسمية وانتقادها بحدة، وانتشار القنوات البديلة وتراجع شعبية النظام الحاكم إلى أقل من 11% نحسبهم من المنتفعين والمتسلقين الذين يتعايشون مع النظام بحكم أمثال بالية ترسخت في عقلية أنصاف المثقفين يضمن بها النظام وجود بعض الملوحين على حافة الطرقات ممن تلتقط عدسات التزوير صورهم لإيهام العالم بأن النظام لا يزال يتمتع بالدعم الشعبي. لم تعد هذه البلاتوهات تقنع العالم الخارجي وخاصة بعد أن بدأ سفراء بعض الدول ينزلون إلى الشارع لتقصِّي الحقائق ورفع تقارير مباشرة إلى ذويهم عن الحالة الحقيقية وما خلف العدسات. إنها مرحلة الإحتضار وهي أخشى ما نخشاه، حيث يجازف النظام الحاكم بالأمن القومي في مقابل إطالة ما تبقى له من نصيب في تاريخ الحكم. فلمصلحة من يمكن ان تكون هذه التصرفات غير المسئولة تجاه شرفاء المعارضة، وغلق خط الحوار الحقيقي المتاح للنظام. وإلى متى سيعيش شعب مصر مكبلاً ومسلوب الإرادة؟ وكيف يمكن أن يقبل الشعب كل هذا التغييب والإقصاء والإنزواء السياسي والثقافي الذي تتعرض له مصر. وهل مرت مصر بأسوأ من هذا من قبل؟

ليست هناك تعليقات: